بل استمر بترديد ذات الكلام فأجاب عن تساؤلي هذا بقوله: «إنك على حق فيما تقول فمواقفي لم تتغير لكن الشعب الإسرائيلي أصبح أكثر رغبة في الاستماع لما يقال وتعلمت كيف أصبح سياسيا». (من الجدير بالذكر أن حكومة نتنياهو السابقة قد فشلت في الاستمرار منذ عقد من الزمن الأمر الذي جعله يستشيط غضبا ويتوعد الذين خذلوه بالعودة ثانية والانتقام منهم).
لقد استغربت قوله بأنه تعلم كيف يكون سياسيا. فسألته:»وماذا كنت تفعل خلال تلك المدة؟» فأخذ نتنياهو يستفيض بالحديث عن نفسه قائلا:»لقد كنت أتابع دقائق الأمور وتفصيلاتها ما جعلني اليوم أتفهم رغبات الشعب وأهدافه». وأضاف بأنه على مدى عقد من الزمن راقب تصرف كل من الرئيسين ارئيل شارون وإيهود أولمرت وتعلم كيفية تعاطيهما مع أندادهما وأخذ العبر من ذلك.
في الواقع كان كل من شارون وأولمرت يمثلان نموذجا للمناورة والتلاعب الأمر الذي مكن كلاً منهما من الاستمرار في الإبقاء على ائتلافه السياسي، وقد كانا يوليان اهتمامات لا حدود لها للآراء والتعليقات الصغيرة أو الكبيرة التي يطلقها السياسيون بينما نجد أن نتنياهو قد اتخذ دور المثقف الرصين الذي يحاول تقليد غيره لذلك لم يطلق وعوده للشعب باستثناء عبارة قال بها بأنه يصغي لكل ما يصدر من آراء.
انتهى اللقاء دون أن أقتنع بما قاله باستثناء عبارة واحدة كان صادقا بها بشأن عودته للسلطة وأنه تعلم كيف يصبح سياسيا. وخلافا لما حدث في ولايته الأولى حيث تعرض للكثير من الأزمات وسادت الفوضى في مجلس الوزراء الذي يترأسه فقد تمكن الآن من ترأس التحالف الإسرائيلي الأهدأ والفوز بشعبية ساحقة وأصبح موضع إجماع غالبية الشعب. وفي الأسبوعين الماضيين، حقق أمرا لم يسبقه إليه أي من القادة سواء شارون أو أولمرت حيث دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة في الرابع من شهر أيلول وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي أكدت تحقيقه لنصر غير مسبوق في ضوء عدم وجود منافس له في تلك الانتخابات لكنه فاجأ الجميع في ليلة يوم الاثنين عندما كانت الكنيست في سبيلها لحل الائتلاف القائم بالعدول عن فكرة الذهاب إلى انتخابات مبكرة والإعلان عن «حكومة وحدة وطنية» مع قائد المعارضة شاؤول موفاز. وبذلك أصبح عدد مؤيديه في الكنيست 94 عضوا من أصل 120 عضو. وقد بدا هذا الائتلاف متماسكا الأمر الذي يمكنه من تأدية مهامه في الثمانية عشر شهرا المتبقية من ولايته بمزيد من الانسجام.
لقد وجد نتنياهو نفسه ضعيفا أمام القرارات التي اتخذتها المحكمة العليا لذلك عمد إلى الاستعانة بالرئيس الجديد لحزب كاديما الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لن يكون ذو شأن في الانتخابات القادمة وسيكون الخاسر الأكبر، لأن قرار المحكمة العليا يشكل تهديدا للتحالف السياسي مع اليمين المتطرف والمتشددين حيث ألغت المحكمة قانون إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية وطلبت من الحكومة إعداد قرار بهذا الخصوص كما طالبت بإخلاء المنازل التي استحوذ عليها المستوطنون في الضفة الغربية أو التي بنوها بشكل غير قانوني على الأرض الفلسطينية المسلوبة الأمر الذي دعا اليمين المتطرف داخل وخارج حزب الليكود إلى دعوة نتنياهو لتجاهل ما صدر من قرارات عن المحكمة وإعطاء المشروعية لتصرفات المستوطنين عن طريق مصادرة الأراضي المسروقة. وفي يوم الأحد الماضي شارك المستوطنون في استعراض للقوة مسببين الحرج لنتنياهو في مؤتمر حزب الليكود لذلك عمد في اليوم التالي إلى ضم موفاز الذي تراجع عما وعد به سابقا من عدم الانضمام لهذه الحكومة، الأمر الذي أنقذ نتنياهو من التعرض لمخاطر خوض انتخابات مبكرة ومكنه من الاستمرار في البقاء على رأس السلطة خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة على الرغم من التوقعات التي تقول بفوزه بها بسهولة ولكن انضمام كاديما للائتلاف كان له الأثر الكبير في تهدئة هواجس نتنياهو ومخاوفه من تهديدات اليمين المتطرف والمتشددين ولا سيما أن موفاز يمثل الوسطية لحكومة يمينية ويخفف من نعتها بصفة التشدد.
يدل الواقع على أن الائتلافات التي جرت في إسرائيل قد عززت بشكل رئيس موقع رئيس الوزراء بينما لم يكن للمؤتلفين معه من دور سوى كونهم أفرادا في جوقة صامتة وبذلك لن يكون لموفاز أي تأثير وسيتمكن نتنياهو من استخدامه لكسب الوقت في المأزق الحاصل على الجبهة الفلسطينية ومجابهة الضغوطات التي يمكن أن يتعرض لها في شهر تشرين الأول إن أعيد انتخاب باراك أوباما. أما بالنسبة لإيران فلن يؤثر موقف موفاز المناهض للحرب على تغيير موقف نتنياهو إذ إنه لو وجد أن الضرورة تستدعي تهديدها أو قصفها فسيتمكن من الحصول على الدعم المطلوب. وهنا نعود للتساؤل: لمَ أزعج نتنياهو نفسه كي يتعلم كيف يكون سياسيا؟.
بقلم:ألوف بن