وهذا يتنافى مع القانون الدولي الذي يحظر بناء المدن والقرى من قبل السلطة القائمة بالاحتلال على الاراضي التي احتلتها في حرب. وبموجب اتفاقات أوسلو عام 1993، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تبادل طفيف للأراضي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة قطاعات: منطقة A، تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، المنطقة (ب)، في إطار مشترك للسيطرة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، والمنطقة (ج)، تحت السيطرة الإسرائيلية. لكن وفقاً لصحيفة هآرتس، فان الإدارة المدنية منذ سنوات حددت ورسمت خرائط الأراضي في الضفة الغربية وسمت هذه القطع من الأراضي بعدد المستوطنات القائمة. ويبلغ عدد القطع من الاراضي 569 ، أي ما يعادل 155000 فدان تقريبا، وهو 90 بالمائة من أراضي المنطقة المحددة (ج)، مع 10 في المائة المتبقية في مناطق ألف وباء. وتؤكد هذه الخرائط أن إسرائيل ليس لديها نية لتنفيذ الاتفاقات.
وبدلا من ذلك، تستخدم منذ سنوات، عملية أوسلو، وما يسمى بالفترة المؤقتة لتوفير غطاء لتوسيع المستوطنات ونسف الخطط لإقامة دولة فلسطينية. وقالت الصحيفة إنه منذ أواخر التسعينيات ، تم بناء 23 من المواقع الاستيطانية دون اي موافقة قانونية من قبل الحكومة الإسرائيلية، على الأراضي المدرجة في قائمة الإدارة المدنية.
وتستمر هذه العملية، مع محاولة الحكومة إضفاء الشرعية على ثلاث مستوطنات إضافية هي شفوت راحيلل ورهليم وهايوفل على الرغم من أنها وافقت على ازالتها بموجب خطة خريطة الطريق، بوساطة من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في عام 2003. وأفرج عن الوثائق ضمن طلب (حرية المعلومات) الذي رفعته المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية «السلام الآن»، من اجل دحض أي فكرة بأن المستوطنين المتطرفين والجماعات المارقة بنوا هذه البؤر من تلقاء أنفسهم. كما قال درور اتكيس، الذي قدم الطلب فإنه يدل على أن المستوطنين تمكنوا من الوصول إلى قاعدة بيانات الادارة المدنية، ما يثبت تورط الحكومة في الانتهاك المنهجي للقانون الدولي. وتتعارض الوثائق أيضا مع مزاعم الحكومة التي أدلت بها في المحكمة العليا ومحكمة العدل الدولية في لاهاي التي تم توجيهها فيما يسمى قضية الجدار الأمني وفقا لاحتياجات إسرائيل الأمنية. وتبين الخرائط أن الهدف من ذلك الاستفادة من الأراضي المتاحة، وبالتالي توسيع المستوطنات. ولم يتم تحديث الخرائط فقط في السنوات العشر الماضية، حيث ان أكثر من 90 في المائة من أراضي المنطقة (ج) هي شرق الجدار الأمني وقد اعتبرت «أراضي الدولة»، مما يعني ضمها لاسرائيل، على الرغم من نفي الإدارة المدنية ، الا ان الحكومة تقوم بمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات في تلك المنطقة. وأفرج عن هذه الوثائق وسط ضجة كبيرة اثر طرد 15 مستوطناً من منزل في الخليل لم يكن لديهم دليل على إذن لشراء المنزل من أصحابه.وكان هذا العمل عرضياً، لإظهار أن إسرائيل تعمل على إزالة البؤر الاستيطانية، في الوقت الذي ترفض الحكومة أمر المحكمة العليا بهدم مستوطنة غير شرعية في الضفة الغربية، بل وطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحامي العام بايجاد وسيلة لمنع الهدم، بغية اضفاء صفة رسمية على البؤر الاستيطانية غير القانونية الأخرى. وقبل ايام، أصدرت الحكومة مناقصات لبناء 872 وحدة سكنية و 4 وحدات تجارية في هار حوما، و 180 منزلا في جبعات زئيف. ومن خلال توسيع هار حوما، تسعى الحكومة لمنع الوصول الى بيت لحم والضواحي الجنوبية من القدس الشرقية، وبالتالي منع الفلسطينيين من اقامة عاصمتهم في القدس الشرقية.
وجاءت هذه التصريحات بعد أيام فقط من قرار مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الذي صوت على إرسال أول وفد من نوعه لاسرائيل فلسطين للتحقيق في الآثار التي تتركها المستوطنات على الشعب الفلسطيني. وقد قدمت حكومة نتنياهو مناقصات لبناء 872 وحدة سكنية، وقال مسؤول في وزارة الخارجية: «اننا لن تسمح لأعضاء مجلس حقوق الإنسان بزيارة اسرائيل، وصدرت تعليمات بعدم الرد حتى على مكالماتهم الهاتفية». وتهدد اسرائيل أيضا بفرض عقوبات ضد السلطة الفلسطينية.
اما سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في جنيف، فقد قال في اجتماع مجلس حقوق الانسان بسخرية بأن هذا القرار سوف يضر بالجهود المبذولة لاستئناف المحادثات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ،تلك المحادثات المتوقفة منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب رفض اسرائيل وقف بناء المستوطنات . ويبدو أن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية قاتم بشكل كبير. وقد أشار تقرير البنك الدولي الشهر الماضي الى ان اقتصاد الضفة الغربية راكد وبلغ معدل البطالة الرسمي 16.6 في المائة عام 2011. والسلطة الفلسطينية التي تعتمد على المساعدات الخارجية انفقت 200 مليون دولار أمريكي من اصل ميزانيتها التي بلغت 1.5 مليار دولار أمريكي على الأمن والخدمات العامة الأساسية، وتواجه الافلاس بسبب فشل الجهات المانحة على الوفاء بنصف تعهداتها، واخفاقها في الحصول على المزيد من المساعدات . فضلا عن رفض إسرائيل رفع القيود المفروضة على مرورالمواد والمياه الخام وأسواق التصدير ما يجعل الحياة الاقتصادية أمرا مستحيلا.
وقد تدهور الوضع بشكل حاد في ايلول الماضي، عندما كانت الولايات المتحدة تقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية بعد سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاقامة دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، وتأخر اسرائيل عن صرف التحويلات من ضرائب الاستيراد على السلع من بلدان أخرى. ويتوقع البنك الدولي ان الوضع في عام 2012 سيشهد مزيدا من التدهور. وبالتزامن مع تكثيف اسرائيل قمعها الاقتصادي للفلسطينيين ، كذلك تكثف العداء لهم. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الجنرال بينى جانتز: إنه في المستقبل سيتم الرد على أي هجوم صاروخي من قطاع غزة أو سيناء في مصر بهجوم على حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، بغض النظر عن الجماعة المسؤولة عن الإطلاق. و أي صواريخ أطلقت من لبنان ستؤدي إلى الهجوم على حزب الله. وأضاف جانتز أن اسرائيل سترد بسرعة ضد طهران إذا كانت هناك أي هجمات من قبل عملاء ايران في الخارج. وفي الشهر الماضي، كثفت الحكومة الإسرائيلية ضرباتها الجوية القاتلة على قطاع غزة، حيث قتلت طائرات اسرائيلية دون طيار زهير القيسي، الأمين العام للجان المقاومة الشعبية، والملحق العسكري محمود حناني، ضمن هجوم مخطط. وكان الغرض من عملية الاغتيال هذه ردود فعل انتقامية فلسطينية يمكن أن تستخدمها إسرائيل فيما بعد ذريعة لمزيد من أعمال الحرب.
بقلم جان شاوول