التي كانت تعتمد في ضمانها على دعم أنظمة غير ديمقراطية وبين الديمقراطية التي كانت حتى الآن تسوقها لفظياً فقط كأداة ضغط تهدد بها الأنظمة الحليفة لها في الوطن العربي وكذلك مراوغتها المستمرة في دعم عملية السلام وتأييدها لإسرائيل التي ترغب بأن تراوح عملية السلام في مكانها إلى أمد طويل حيث أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيسان 2008 أثناء زيارته لجامعة القاهرة أن من أولويات السياسة الخارجية الأميركية التحقيق المبكر للسلام الشامل في الشرق الأوسط وإقامة علاقات ودية حقيقية مع العالم الإسلامي وتقديم المساعدات الممكنة لدول المنطقة لتشكيل مؤسسات ديمقراطية إلا أنه وعلى أرض الواقع فإن التناقضات الأميركية بين تصريحاتها وأفعالها فيما يتعلق بعملية السلام أوصلت منطقة الشرق الأوسط إلى طريق مسدود , فتل أبيب تفكر منذ بدء مشاركتها بمباحثات السلام مع الدول العربية بأن تبقى عملية السلام تراوح في مكانها إلى أجل غير مسمى , وبنفس الوقت فإن واشنطن عززت هذه التناقضات والصراعات في العالم العربي و الاسلامي بهدف تفتيته على أسس دينية – طائفية – اقتصادية – اجتماعية - سياسية بهدف تشويه سمعة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي اللذين ظهرت تبعيتهما المتزايدة بشكل واضح لأمريكا على خلفية أحداث «الربيع العربي» , وقد أكد رئيس موظفي البيت الأبيض وليام والي في مقابلة مع بلومبيرغ أن الشرق الأوسط قد لايعود أبدا ولهذا السبب فإن أمريكا تخطط لسلسلة كاملة من السيناريوهات تضمن أن لاتكون أي حكومة جديدة معادية عداء كاملا لامريكا ولامعادية عداوة صريحة لاسرائيل كما اكد كذلك ستيفن م.والت الاستاذ بجامعة هارفرد الامريكية بأن السياسة الامريكية الجديدة تنطبق على أي تغيير سياسي في الدول العربية الحليفة والصديقة لأمريكا , مع الإشارة إلى دور الولايات المتحدة الأميركية الواضح في دعم الثورات العربية ماديا ومعنويا وخاصة في تلك الدول التي لا تطبق قادتها مبادئ الديمقراطية الأميركية ولا تعمل على حماية مصالحها وبنفس الوقت فإن الربيع العربي قام بحماية قادة تلك الدول التي تعمل على تنفيذ السياسة الإقليمية الأميركية بدون قيد أو شرط فسخافة المبادىء الديمقراطية الامريكية تجعل الملكيات والامارات الاستبدادية في دول الخليج العربي وخاصة السعودية وقطر والموالية لأمريكا بالسيف والنار تعلم دول الجوار الديمقراطية الغربية ومبادئ احترام حقوق الإنسان والتي هي في الأساس بعيدة كل البعد عنها فالبيت الأبيض ومن خلال سياساته الإقليمية التي ينتهجها على الدوام يدفع الدول العربية باستمرار باتجاه حالة الحرب ويحاول بشكل دائم إقحام تركيا مع الدول العربية ضد إيران وتشجيع سباق التسلح وانعدام الثقة والنمو الخطير للتطرف داخل الدول الإسلامية في الشرق الأوسط الكبير الذي ترسمه وتخطط له أمريكا .
وتجدر الإشارة إلى أن خبراء السياسة الأمريكيين رصدوا تطورات الربيع العربي وأوجدوا وسيلة متطورة لتشويه سمعة الإسلام في المستقبل القريب , ليس كدين فحسب ولكن أيضاً باعتباره أحد العناصر الأساسية للبنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المنطقة كما تخطط أمريكا لتهيئة ظروف اقتصادية لدول الربيع العربي تؤدي لانخفاض حاد في مستويات المعيشة وزيادة كبيرة في الاضطرابات الاجتماعية من خلال استخدام التقنيات التكنولوجية المجربة في التلاعب بالوعي الاجتماعي لشعوب تلك الدول عبر الانترنت والتويتر والفيسبوك لوضع اللوم على هذه الاضطرابات بهدف تجييش الشارع وفقاً لحساباتها ومصالحها بغية التحول نحو القيم الليبرالية الديمقراطية من وجهة النظر الأميركية , والطريقة الوحيدة لتجنب ضربة هذا الكيد المرتد هو الحوار العادل بطريقة حضارية وذات منفعة متبادلة سواء تم ذلك داخل تلك الدول أو على المستوى الدولي باستخدام مؤسسات الأمم المتحدة وآليات الحوار بدون تدخل خارجي أمريكي وغربي فهل ستقدم واشنطن مثل هذا الحق ...؟
والإجابة على ذلك بالنفي طبعاً فموقف البيت الأبيض يعكس بوضوح رغبة واشنطن في تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و على وجه الخصوص من خلال قيام ممثليها بزيارات متكررة للمنطقة إضافة لسفرائها و دبلوماسييها العاملين هناك بهدف السعي لإقامة اتصالات مع قادة المعارضة المختلفة من اجل الحصول منهم على ضمانات لحماية مصالح الولايات المتحدة الأميركية الاستراتيجية مع العلم أن أحداث مايسمى الربيع العربي انفجرت بشكل يترافق من الناحية العملية مع حدوث الشلل شبه الكامل لعملية التسوية في الشرق الأوسط و هذا الدور الجديد لأمريكا لا يخفي حقيقة أن المصالح الأميركية هي خطوط حمراء لا يمكن المساس بها مهما كانت الأنظمة البديلة في تلك الدول التي يسهر قادتها على حماية المصالح الأميركية والمواقف العلنية للبيت الأبيض لاتخفي خيوط اللعبة الأميركية في بعثرة الأوراق وخلطها في الشرق الأوسط تحت شعار الإصلاح والتغيير ودعم الديمقراطية بطريقة يتم من خلالها استحداث حالة فوضى في الدول العربية والإسلامية تتيح المجال لأمريكا لاستغلال هذه الفوضى لصالحها ولحماية مصالحها في المنطقة , تلك الفوضى الخلاقة والتي هي برنامج أمريكي قديم قائم تستخدمه أمريكا منذ سنوات كبديل عن استخدام قوتها العسكرية المباشرة ووفق احتياجاتها وحاجة مصالحها وتحالفاتها بهدف بناء شرق أوسط جديد تسعى أمريكا لتنفيذه في الدول العربية والفوضى الخلاقة الأميركية وتحت مسميات الديمقراطية وحق الشعوب باختيار ممثليها ستعيد التشكيل السياسي في تلك الدول الحليفة لها بما يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية وبما يتوافق مع رؤيتها الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة فالأحداث الجارية في بعض الدول العربية ستؤدي لنمو التطرف وتصاعد الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء العالم والخطر الأكبر من ذلك هو اندلاع العنف الطائفي نتيجة لعدم الاستقرار كما حدث في أفغانستان وغيرها فهل تعي أمريكا ذلك؟