تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مهمة أنان .. والمواقف المعرقلة

شؤون سياسية
الأربعاء 30-5-2012
د. عيسى الشمّاس

حرصت القيادة السورية على حلّ الأزمة منذ بدايتها، بالطرق السياسيّة /السلمية ، وانطلاقاً من ذلك وافقت على التعاون مع السيد / كوفي أنان / المبعوث الدولي ، منذ الإعلان عن تعيينه لمهمّة المساعدة في حلّ الأزمة ،

كما وافقت على خطّته لتجاوز الوضع القائم في سورية ، ومن ضمنها :وقف إطلاق النار من الأطراف المختلفة ، واستقبال بعثة من المراقبين يعينهم مجلس الأمن لمراقبة ذلك الوضع على الأرض.‏

وأصدر مجلس الأمن قراراً جماعياً برقم ( 2042 ) في ( 14/4/2012) يقضي بدعم مهمّة السيد / أنان ، ولا سيّما وقف العنف مهما كان مصدره ، والامتناع عن تزويد العصابات الإرهابية بالسلاح ، وبإرسال مراقبين دوليين غير مسلّحين إلى سورية، يصل عدد هم إلى ( 300 ) مراقب ، لرصد واقع الأحداث على الأرض . وفعلاّ تتالت دفعات المراقبين حتى وصل عددهم إلى ما يقرب من ( 280 ) مراقباً ، باشروا عملهم بزيارة مناطق مختلفة من سورية واطلعوا على الحقائق كما هي في الواقع . وهنا سيكون المحكّ الحقيقي لكشف التزييف والتشويه لما يجري من جهة ، وكشف من يعرقل الحلّ ويحرّض على الإرهاب واستمرار العنف ضد الشعب والدولة ، ولا سيّما أنّ الدولة السورية أعلنت عن التزامها بخطّة أنان كما جاء في التقرير الأول الذي رفعه إلى مجلس الأمن ، وبالتالي من هو الطرف الصادق في التعاون مع مهمّة أنان ، ومن هم المخادعون/ المراوغون لإفشال هذه المهمّة ، من الذين دأبوا على التلفيق السياسي والتزوير الإعلامي؟ فليس المهمّ إصدار قرارات دولية ، وبيانات وتصريحات جوفاء تحمّل السلطات السورية المسؤولية الكاملة عمّا يجري، بل الأكثر أهمية أن تلتزم أطراف المؤامرة بما يخصّها من مضمونات هذه القرارات ، ولا سيّما (قطر ، السعودية، وتركيا ) ومن يوجّهها في البيت البيض ، وتمتنع عن التحريض الإعلامي وتقديم الدعم المالي لتسليح المعارضة ، التي أعلنت عنه صراحة في مؤتمر (اسطنبول) الأخير لما سمي ( أصدقاء سورية )، بتقديم مئة مليون دولار لتسليح المعارضة، واستمرارها في الأعمال الإرهابية، وتسهيل تسلّل العصابات المسلّحة إلى سورية ؛ فثمّة أطراف إذن أجنبية وعربية، لا تريد نجاحاً لمهمّة / أنان / لأنّها لا تريد إيجاد أي حلّ للأزمة السورية التي هي بالأساس طرف فيها ، بل تضع في وجهها العراقيل والذرائع ، وتسعى إلى تأزيمها واستمرارها من خلال التحريض والإعلان عن تقديم الدعم للمعارضة بأشكاله المختلفة ، المالية والعسكرية ، من أجل تقويتها في مواجهة ( النظام ) ، إلى حدّ الترويج لفتنة الحرب الأهلية ، والتدخّل العسكري لإسقاط سورية، مقابل التشكيك بصدقيّة الموقف السوري الملتزم ، الصريح والواضح، والحكم المسبق بفشل مهمّة السيد / أنان / ، على الرغم من الجهود المخلصة التي تبذل من أطراف متعدّدة لإنجاحها .‏

ومن الغريب أن يصدر هذا الحكم الاستباقي/ السلبي بين الحين والآخر ، عن بعض الدول التي تبنّت قرار تكليف مهمّة /أنان/ في مجلس الأمن ، بدلاً من أن تدعمه وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتسهيل عمله ، من خلال اتخاذ المواقف الإيجابية وممارسة الضغط على حلفائها من ( الأغراب والأعراب ) ، ليوقفوا دعمهم لعصابات المعارضة وأذرعها المسلّحة، ويكفّوا عن تصعيد التحريض السياسي والإعلامي ضد سورية، وتشويه عمل المراقبين الدوليين واتهامهم بعدم الموضوعيّة .‏

فالولايات المتحدة مثلاً ، تضرب على وترين حساسين وبنغمتين متناقضتين؛ فهي تبدي خوفها وقلقها من تسلّل عناصر من تنظيم القاعدة إلى صفوف المعارضة المسلّحة في سورية ، لا بل تؤّكد ذلك من خلال تصريحات وزير دفاعها ، وفي الوقت نفسه تدعم هذه المعارضة المسلّحة وتطالب بزيادة الدعم المالي لها ، كما أعلن / أوباما / في الثالث عشر من نيسان الماضي . وبينما تقف بريطانيا وسط التشكيك والتهديد، والقلق والتحذير من حرب أهلية في سورية ، فإنّ الحكومة التركيّة كشّرت عن أنيابها ( العثمانيّة ) البائدة ، وراحت تلوّح بحلفها الأطلسي تارة ، وبمنطقة عازلة تارة أخرى تأوي الهاربين والمسلّحين ، إذا ما فشلت مهمّة المبعوث الدولي ، وتلقي بالمسؤولية على (القيادة ) السورية ، وتتجاهل مواقف عصابات المعارضة التي تأويها في اسطنبول ، وممارسات العصابات المسلّحة التي تأويها في مخيماتها الحدودية . وفي المقابل، لا تزال مواقف مسؤولي بعض دول ( المشايخ والأمراء ) في الخليج العربي ، ثابتة على طبيعتها الكيدية / التحريضيّة ضد سورية، دولة وشعباً ، الداعية إلى مزيد من سفك الدماء السورية البريئة ، إرواء لحقدهم المقيت ؛ ولا يتورّعون عن التصريحات الداعية إلى تسليح المعارضة لإسقاط سورية، لأنّ مهمّة عنان لم يكتب لها النجاح على حدّ تنبؤات الثنائي ( حمد – الفيصل). ولكنّهم في المقابل يغمضون أعينهم ولم يروا التفجيرات الإرهابية التي حصلت في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية ، والتي رافقت مجيء المراقبين الدوليين؛ ولم يروا المذابح الجماعيّة التي ترتكبها العصابات المسلّحة ، وآخرها ما حصل يومي الجمعة والسبت ( 26/5/2012 ) في كلّ من ربلة وتلدو والشومرية ، في ريف محافظة حمص.! لا شك أنّ مهمة السيد /عنان صعبة ومعقّدة ، لأنّ طريقها مليء بالمطبات والعوائق ، ولا سيّما أن الأطراف المعارضة ومجموعاتها الإرهابية المسلّحة لا تملك زمام أمرها ، وإنّما تتلقى الأوامر من الخارج وفق المخطّط المعّد لها لتخريب سورية وإضعافها . ويبقى الضامن الوحيد لنجاح مهمّة السيّد / أنان / ، هو الموقف السوري المتعاون مع هذه المهمّة ، مع الحفاظ على سيادة سورية وقرارها الحرّ المستقلّ ، إلى جانب المواقف الروسية والصينية والإيرانية والهندية..وغيرها من الدول التي تتفهم طبيعة الوضع القائم في سورية وانعكاساته الإقليمية والدولية ، وتدعو لتوفير أجواء المناخ المناسب لنجاح مهمّة / أنان / من أجل وقف سفك الدماء البريئة ، وإنهاء الأزمة السورية بالحوار والطرق السلميّة، بما يسهم في عودة الحياة الطبيعيّة في سورية ويحفظ سيادتها ووحدة أراضيها ، ويمكّنها من متابعة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة .‏

فهل يستطيع المجتمع الدولي ممثّلاً بمجلس ( الأمن ) الذي تبنّى مهمّة / كوفي أنان / أن يلزم تلك الدول التي تجاهر علانية بعدائها للدولة السورية ، بالكفّ عن دعمها العصابات المسلّحة كي توقف هذه العصابات عملياتها الإرهابية ضد المواطنين ورجال الأمن ، كما يطلب المجلس من الدولة السورية وقف العنف وعدم استخدام السلاح ضد الإرهابيين؟ فبغير هذه المعادلة المتكافئة ، لا يمكن لمجلس الأمن أن ينجح في مبادرته لمعالجة الأزمة في سورية ..! مع أنّ من واجب السلطات السورية ومسؤوليتها الوطنية، الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين من اعتداءات العصابات المسلّحة وأعمالها الإرهابية ..! وهذا في المقابل ، حقّ للدولة لا يمكن التنازل عنه تحت أي ضغوطات أو تهديدات ، أو قرارات تمسّ سيادة الدولة وتنتقص من حقّها الدستوري والقانوني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية