فالوطنية هي جينات يتوارثها الأبناء عن الآباء.. الوطنية والعروبة لا تُشترى من حانوتٍ هنا وسوبر ماركت هناك ولا يمكن أن نرتديها اليوم ونخلعها غداً كما يحلو للبعض.. الوطنية تجري مع الدم وتختلج مع خلايا الجسد ولا يتمكن المرء من خلع عباءة الوطنية لأنه يتعرّى.. نعم يتعرّى كما تعرى بعض من راهنا على أنهم لن يرموا الحجر في البئر التي شربوا منها!!.النجمة السورية رغدة..بل الفنانة العربية الأصيلة رغدة اسم له رنين خاص في عالم الفن، فهي الممثلة والكاتبة التي تألقت على الساحة العربية حتى غدت رمزا للكلمة الصادقة وللمواقف المشرّفة وللصوت الجريء في زمن غاب بعض من راهنا على صدقهم ومواقفهم وأصواتهم!
رغدة التي لم تدع ساحة من ساحات النضـــال إلاّ وكانـــت فيهـــا ( النضال بالكلمة والعمل لأن الفنان لا يملك سلاحاً غير سلاح الكلمة وهي بالمناسبة أشد فتكاً من أسلحة العدو الجبانة) خصوصاً عندما تنبع من القلب وعندما تكون ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء ففي حصار العراق والحرب على العراق كانت رغدة حاضرة بمواقفها الصادقة من الحصار الظالم على الشعب العراقي ودعت من على أكثر من منبر إلى وقف مهازل المجتمع الدولي ومنح الشعب العراقي حريته وتمكينه من ممارسة حياته الكريمة.. أمّا في العدوان الصهيوني على غزة فقد برزت مساهمتها في الوقوف إلى جانب أبناء غزة رغم كل الظروف الصعبة.. ودعت إلى وقفة عربية تنهي معاناة الشعب العربي الفلسطيني وتضع حدّاً لجبروت الاحتلال وظلمه.. كما تشهد لها ساحات الجنوب اللبناني حيث فتكت آلة القتل الإسرائيلية بالحجر والشجر والبشر فكانت زياراتها الميدانية - إن جاز التعبير- وحملات الدعم والمساندة خير دليل على عروبتها الصادقة وإنسانيتها التي لا يمكن للمرء إلاّ وأن ينحني أمامها.
في البرنامج الذي تعرضه فضائيةNBN بعنوان ( من دمشق) كان لعشاق الرائعة رغدة موعدٌ مع إطلالتها حيث كانت الفنانة والإعلامية والشاعرة والأم والثائرة وقبل كل هذا وذاك المواطنة العربية السورية بامتياز.. رغدة التي أعربت عن تضامنها مع حرية الإنسان أينما كان أعربت عن معارضتها الشديدة والقوية لما حدث ويحدث من عمليات قتل وتفجير وإزهاق أرواح بريئة.. تحدثت عن (الثورات العربية) في مصر وتونس وليبيا وخصصت جلّ حديثها عمّا حدث في مصر كونها تقضي معظم وقتها هناك وأعربت عن قناعتها بأن الشعب المصري ( العظيم) لن يسمح لبعض الانتهازيين والمتآمرين والغربان بأن يسرقوا الثورة الحقيقية التي قامت في مصر وهي على قناعة تامة من أن أبناء مصر لن يسمحوا للبوصلة أن يتغير اتجاهها وبالتالي سرقة الثورة.
ولأنها مواطنة سورية بالدرجة الأولى وعربية القلب والهوى والوجدان فقد بكت من كل قلبها على بلدها سورية .. سورية التي تنزف يومياً وتسفك فيها المزيد من الدماء .. سورية التي كانت ملاذاً آمناً لكل أحرار العالم.. سورية الحضن الدافئ والحنون لا يجب أن تكافئ هكذا.. سورية التي بكت خيرة أبنائها ومثقفيها وعلمائها ورجالاتها الميامين على مذبح الحرية والصمود في وجه أعتى هجمة وأشرس حرب تشن عليها لا بدّ وأن تنهض من تحت الرماد لتكتب للتاريخ عنواناً آخر من عناوين الرجولة والبطولة والفداء.
رغدة المعروفة بقوة شخصيتها وعنفوانها بكت أكثر من مرّة عند مناقشة ما يحدث في سورية (الأم) ممّا اضطر مقدّم البرنامج لوقفات عديدة كي تتمكن من التقاط لحظات قوّتها وعنفوانها أبكتنا جميعاً فكانت دموعها الغالية على كل مؤمن بوطنه زيتاً ينير الدرب ويضيء مصباح الحرية والإنسانية.
نحن نعيش لحظة تاريخية صعبة – تقول الفنانة رغدة - يجب علينا جميعاً أن نتغلب عليها.. دعونا نجمع بعضنا معارضة وموالاة ومن كل الأطياف لنتكاتف كي نعبر بسورية إلى بر الأمان.. بعدها نتحاور حول كل شيء.. البلد يعرض للبيع في سوقٍ رخيص .. لا تسمحوا لهم بالمساومة عليه !
رغدة التي أعربت عن قناعتها بأن الوطن فوق كل اعتبار لأنه الأم التي لا يعرف المرء قيمتها إلاّ بعد افتقادها أكدت على ضرورة الوقوف صفاً واحداً ونبذ كل ما من شأنه تفريقنا لنتمكن من الصمود في وجه هذه الهجمة الظالمة ونسيان الماضي والابتعاد عن الأحقاد فهي مثلاً- كما تقول- قد غيّبت عن الإعلام لسنوات عديدة!.
رغدة التي بكت في هذه اللحظات العصيبة التي تبكي بها سورية الأم وتنزف وقفت بكل كبرياء وعظمة لتصرخ في وجه القتلة والمتآمرين ليرحلوا عن ديارنا ويحملوا معهم أحقادهم وأفكارهم السوداء وليتركوا لنا حياتنا الكريمة ومحبتنا لبعضنا تحت علم الجمهورية العربية السورية !