تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوهّابيّة طبْخة انكليزيّة

ثقافـــــــة
الأربعاء 30-5-2012
عبد الكريم النّاعم

يتداول النّاس، وأجهزة الإعلام اسم «الوهّابيّة» في هذه الآونة بحكم الحراك السياسي الذي أريد له أن يكون دمويّاً، تكفيريّاً، لغايات لم تعد خافية، ويذكر بعضُ الدّارسين،

والمحلّلين السياسيّين، عبر شاشات التّلفزة اسم الجاسوس الانكليزي ( همفر) الذي كان وراء توضيب «محمد بن عبد الوهّاب» الذي تُنسب إليه « الوهّابيّة»، ذلك المذهب الذي فُرض بقوّة السيف، والغَلََبة على أهل الحجاز ونجد وعدد من دول الخليج، وأنا هنا سأتتبّع بقدر ماتسمح الفسحة (تشكيل) هذا المذهب، وأبيّن كيف هو طبخة انكليزيّة بامتياز،‏

نشير إلى أنّ محمد بن عبد الوهّاب وُلد عام 1703م وتوفّي عام 1792م، وأنا في هذه المقالة أعتمد على نسخة مترجمَة من مذكّرات (همفر)، لم يُذكر فيها اسم الدّار الطّابعة، وأشير إلى اسم المترجم بحروف : د.م.ع.خ، في نهاية مقدّمته لذلك الكتاب، وجاء أنّ تاريخ هذه المقدّمة هو 25 حزيران 1990م، كما ورد في الصفحة الأولى من الكتاب مايلي:‏

/سيطرة الانكليز ودعمهم لمحمد بن عبد الوهاب و مذكرات مستر همفر- الفاء بثلاث نقط- الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلاميّة./‏

يذكر همفر أنّهم كانوا تسعة جواسيس، أُعدّوا إلى عدد من البلدان، وكان سلطان بني عثمان قد فتك به من أمراض الفساد، والرّشوة، والتّراجع، ماأنهكه، وأثار المطامع ، ولم يُخف سكرتير وزارة المستعمرات البريطاني عن الجاسوس همفر الدّوافع، وهي كثيرة، ويأتي في مقدّمتها:‏

«نحن البريطانيّين لايمكننا العيش في الرّفاه إلاّ بإلقاء الفتن والنّزاعات في كلّ المستعمرات» ص26‏

ويذكر همفر أنّهم كانوا « شديدي القلق من علماء المسلمين، فعلماء الأزهر، وعلماء النّجف، وعلماء فارس كانوا أمنع سدّاً أمام آمالنا، فإنّهم في غاية الجهل بمبادئ الحياة العصريّة، وقد جعلوا نُصب أعينهم الجنّة التي وعدهم بها القرآن».. « وكانوا لاتنازلون قيد شعرة عن مبادئهم». ص 9‏

أوفدتْ وزارة المستعمرات همفر عام 1710م إلى كلّ من مصر والعراق وطهران والحجاز والأستانة لجمع المعلومات التي تعزّز سبل تمزيق المسلمين، / ص 12،وبدأ هذا الجاسوس رحلته من الآستانة، فقد مكث فيها، وتعلّم مباديء الإسلام، والعربيّة، والتّركيّة والقرآن، واشتغل أجيراً عند نجّار، وراوده أكثر من مرّة، وكان يخبر رؤساءه بذلك في تقاريره، وكان جوابهم:‏

« لامانع من ذلك إذا كان في هذا الفعل وصول للهدف» / ص19‏

وكان الهدف الأوّل للمهمّة التي كلِّف بها همفر ليست معرفة أحوال البلاد الإسلاميّة، فهي معروفة لديهم، بل ماصرّح به له سكرتير الوزارة:‏

« فرصتك ياهمفر أن تجد نقطة الضّعف عند المسلمين والتي نتمكّن بها من أن ندخل في جسمهم، ونبدّد أوصالهم»‏

بعد ان أقام زمناً في الأستانة، كلِّف بالذّهاب إلى البصرة، وهناك تعرّف على (محمد بن عبد الوهّاب)، الذي كان في زيّ طالب للعلوم الدّينيّة، وكان ابن عبد الوهّاب يجيد التّركيّة والعربيّة والفارسيّة، ولزمه هذا الجاسوس إذ وجد في شخصيّته مايؤهّله لأن يكون ذلك الذي تُعقد عليه الآمال،‏

لعلّ من يتساءل ألم يلفت شكل هذا الغريب أنظار النّاس؟‏

يقول هو أنّهم ظنّوه من أذربيجان،‏

سنترك لهذا الجاسوس أن يصف شخصية ابن عبد الوهّاب إذ يقول عنه:‏

«كان ابن عبد الوهّاب شابّاً متحرّراً بكلّ معنى الكلمة، لايتعصّب ضدّ الشيعة»..‏

لم يكن يرى أيّ وزن لاتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنّة، ويقول ماأنزل اللّه بها من سلطان»/ ص31‏

« وكان يقلّد فَهْمَ نفسه في فهم القرآن والسنّة، ويضرب بآراء المشايخ، لامشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب بل بآراء أبي بكر وعمر أيضاً / ص32‏

ويقول همفر إنّه وجد ضالّته في محمد بن عبد الوهاب،» فإنّ تحرّره وطموحه وتبرّمه من مشايخ عصره ورأيه المستقلّ الذي لايهتمّ حتى بالخلفاء الأربعة أمام مايفهمه هو من القرآن والسنّة كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكّن أن أتسلّل منه إلى نفسه»/ ص34‏

وبحسب ماينقل ذلك الجاسوس الذي لازمه ملازمة من يريد منه أن يكون حصان الرّهان في المشروع الاستعماري الانكليزي، فقد كان ابن عبد الوهّاب يرى « أنّه أكثر فهماً من أبي حنيفة»/ ص35-/ وأنّ « نصف كتاب البخاري باطل»/ سا/‏

تلقّف ذلك الجاسوس الإنكليزي تلك العجينة، وبدأ يصوغها، وعن تلك المرحلة يقول:‏

« لقد عقدت بيني وبين (محمد) أقوى الصّلات والرّوابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار، وأبيّن له أنّه أكثر موهبة من ( عليّ وعمر)، وأنّ الرسول لوكان حاضراً لاختارك خليفة له دونهما»، وصارحته:‏

« آمل تجديد الإسلام على يديك، فإنّك المنقذ الوحيد الذي يُرجى به انتشال الإسلام من هذه السّقطة»/ ص35‏

وظلّ يستدرجه لإخراجه بعيداً، فأقنعه بالزواج المؤقّت في البصرة، ووافق على ذلك شريطة أن يبقى الأمر سرّاً، فاختار له امرأة مجنّدة من قبل وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلم، وسمّاها « صفيّة»، ومن هذه نقله إلى الحوار في شرب الخمر، ولن أدخل في التّفصيل، فالمهم أنّه سقاه الخمر، وأقنعه كما يقول إنّ الصلاة ليست واجبة، « وإنّما الذّكر يكفي، ( وأقم الصّلاة لذكري)، فصار لايصلّي، وكان يساهره حتى مابعد منتصف اللّيل، فلا يقوم للصلاة، وحاول بعدها استدراجه لإعادة النّظر في شخصيّة سيّدنا محمّد(ص) فصمد، وأخذ ينفخ في نار أن يكون له طريق خاص في الإسلام، غير السنّة وغير الشيعة، فوجد استجابة لهذا الطّرح، لأنّه، كما يقول عنه «يملأ غروره، وتحرّره»، ويقول ذلك الجاسوس الدّاهية، بعد أن آخاه، استناداً إلى مؤاخاة الرسول(ص) بين المهاجرين والأنصار، ولازمه كظلّه،.. يقول:‏

« وكنت أهتمّ لأن تؤتي الشّجرة التي غرسْتُها ثمارها التي صرفتُ لأجلها أثمن أوقات شبابي» /ص40/، ولم يتركه حتى لفّق له حلماً أنّه رأى الرسول يستقبل ابن عبد الوهّاب في الحلم، في مجلس كبير، وأنّه حين رآه قام الرسول نحوه، وعانقه، واهتمّ به، وقال له:‏

« أنت سميّي، ووارث علمي، والقائم مقامي، في إدارة شؤون الدّين والدّنيا»، ولقد سأله ابن عبد الوهّاب، للتأكيد، فيما إذا كان قد رأى هذا الحلم، فأكّد له ذلك،‏

في هذه الأثناء كلّف الجاسوس همفري بالذّهاب للنّجف وكربلاء، وكان قلقاً على مصير ابن عبد الوهّاب، لأنّه كما يصفه: « شديد التّلوّن، عصبيّ المزاج،» لذا كان يخشى أن تنهار آماله التي بناها عليه،/ص49/، وكان همفري قد صرف ابن عبد الوهّاب عن الذهاب للاستانة لكيلا يتهيّا له مايجعله يراجع نفسه، فرغّبه بالسفر باتّجاه « أصفهان» و«شيراز»، وأوصاه أن يكتم أنّه سنّي، وزوّده بمبلغ من المال باسم ( زكاة)، واتّفقا على أنّ من يعود للبصرة يترك رسالة لصاحبه عند صديق مشترك، وأبدى همفري لرؤسائه خوفه على ابن عبد الوهّاب، فطمأنه وزير المستعمرات أنّ « الشيخ مايزال على مافارقتَه، وأنّ عملاء الوزارة اتّصلوا به في أصفهان، ولحقتْه صفيّة إلى هناك وبقيت معه مدّة شهرين، وفي «شيراز» هيّؤوا له زواجاً مؤقّتاً من امرأة اسمها ( آسية)، وهي من يهود شيراز» / ص52/‏

وأصبح الشيخ محد بن عبد الوهّاب جاهزاً لدفعه باتّجاه المخطّط الإنكليزي، في ذلك الوقت، وسآخذ بعض المقتطفات التي توضح أنّه المطيّة التي جرى إعدادها بحنكة،‏

يقول همفري:« وكان من نتيجة سيطرتنا على محمد بن عبد الوهّاب أنّه طُُبخ كأفضل مايمكن لِما يُرجى منه في المستقبل»/ص52/‏

ويقول سكرتير وزارة المستعمرات:«التقارير الواردة تشير إلى أنّ الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطيّة لمآرب الوزارة»/ص 80/‏

في نقلة نوعيّة :« عميلهم في أصفهان صارح الشيخ بما هو مطلوب منه، وقَبِلَ الشيخ العرض، على شرط أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لابدّ أن يهاجموه، وأن يزوّدوه بالمال الكافي والسّلاح إذا اقتضى الأمر»/ ص80/‏

أي أنّ الأمر لم يعد أمر حلم، بل ثمّة مصارحة، ومكاشفة بالدّور، وقد سافر الشيخ إلى نجد، وتبعه همفري ، حين رجع، بمن معه، وادّعى أنّه ( عبد) اشتراه في البصرة، وأنّه كان في سفر، ويقول همفري:‏

« وقد بقيت عنده سنتان، وهيّأنا التّرتيب اللاّزم لإظهار الدّعوة»، يعني الوهّابيّة، ويتابع :« بعد سنوات من العمل تمكّنت الوزارة من جلب محمد بن سعود إلى جانبنا فأرسلوا إليّ رسولاً يبيّن ذلك ، ويُظهر وجوب التّعاون بين المحمّدين»/ص84/‏

هذا ماأردناه هنا، وقد نعود إلى المبادىء التي اعترف بها ذلك الجاسوس التي يجب اتّباعها في التّعامل مع مجتمعاتنا،....‏

aaalnaem@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية