شرخ كبير بين الجهتين كل يدعي أنه الجذر والأصل ولهذا لم يصلا إلى نقطة التقاء مع أن كتّاب ومفكري الجهتين يعملون على قراءة الوجه الآخر فيما يقدمه ابداع كل منهما.
كيف ترى الفلسفة الغربية الشرق وكيف يراه مفكروه ومبدعوه وروائيوه هل انطلقوا في محاولة اكتشاف الاخر من مواقف مسبقة شكلتها السياسات التي ينفذها الغرب تجاه الشرق.
وهي على الاعم الأغلب لا تقوم على الندية بل على رؤية الغربي للاخر على انه تابع وعليه أن يبقى في فلك المنجز الغربي أياً كان هذا المنجز.
وبما أن الكتاب يفترض انهم الشريحة الاكثر قدرة على تقديم والتقاط ما لا يراه الآخرون وتقديمه ضمن أعماله الإبداعية من هنا كان لفن الرواية الدور الأبرز في تقديم صورة الاخر.. كيف قدمته الرواية الغربية.. ما ألوان الاخر هذا.. الدكتورة ماجدة حمود قدمت قراءات معمقة في هذا اللون من النقد وهو عمل يحسب للمؤلفة صحيح انه ليس الأول في هذا اللون من الدراسات ولاسيما أن مركز دراسات الوحدة العربية قد أصدر مجموعة من الكتب حول الاخر في السياسة والثقافة الغربية وتوقف تحديدا عند صورة العربي.
الدكتورة حمود في كتابها الجديد الذي حمل عنوان: صورة الاخر في الرواية الغربية الصادر حديثا عن دار التكوين بدمشق تفرد مساحات واسعة لقراءة أعمال الروائيين الغربيين/بعضها/ وكيف صورت الاخر.
وهي تدرس الصورة كما تقول بالفضاء السردي الذي يؤثر في تكوينها ويمنحها خصوصية لا يقدمها الوصف الخارجي فقط بل لابد من عناصر لغوية تشكل بنية ذلك الفضاء.. الشخصيات.. الموروث.. الشعبي.. الديني.. تتدخل في رسم البنية الداخلية للصورة والرؤية الفكرية اي كل ما يمنحها فرادة.
والمتأمل كما تقول يلاحظ أن الصورة تختلف من روائي لآخر رغم وجود مشتركات بينه وبين غيره من المبدعين فهي تتأثر بانتمائه.. وبتجاربه الشخصية وظرفه التاريخي.. مايمنح رؤيته خصوصيتها إذ ان كل صورة يشكلها في الذهن لابد أن ترسم عبر ذكريات وأفكار بيئة تشكل مرجعية ثقافية تغذي خيالات وأوهاما عن الاخر تعشش في الاعماق.
وهي تطرح السؤال على لسان القارئ هل لغة الصورة متخيلة ام واقعية.. من اين تستمد الصورة اصالتها وجمالها.. هل يمكن فصل الأنا عن الاخر أثناء الكتابة الإبداعية؟
من أجل ذلك كله لابد أن تدرس الصورة بمعزل عن معطيات علم الاناسة..
وتخلص في نهاية كتابها المهم إلى القول: سجل للروائي أنه رسم صورة للشرق بعيدة عن النظرة الاستعلائية الرافضة للمختلف, مما يفصح عن رغبته في تأسيس نظرة تحترم الآخر وترى دوره الحضاري الفاعل, الذي لاغنى عنه للانسانية فكان ابداعه احتفاء بقيم الشرق المنقذة للروح, فهو جنة السكينة والتأمل وانطلاق الذات من اسر انانيتها ومادتها, وتضيف عن ماركيز قائلة: يلاحظ ان ماركيز في رواية مئة عام من العزلة أبدى تعاطفا مع الآخر الضعيف سواء أكان اميركيا لاتينيا أم عربيا أم زنجيا أم هنديا أحمر.. أي كل من يشكل لبنة اساسية لسكان اميركا اللاتينية, خاصة أنهم المعاناة (الظلم, الاحتكار) توحدهم ليواجهوا شركات مستغلة تابعة لأميركا الشمالية وإلى طبقة مستغلة (الاغنياء).
وهكذا بدا الروائي الغربي مستقلا غالبا في نظرته للاخر فلم يكن تابعا لأوهام نسجتها الحروب لهذا لم يغرق الاخر الشرقي في السلبيات (شره, مسخ, قبيح, تعصب..) أو الايجابيات, وبذلك لم يبعده عن ملامح الانسانية ولم يكن اسير حروب الكراهية.. أما الروايات التي قدمت قراءة فيها فهي متنوعة من اليونان الى اميركا اللاتينية طبعا بأوروبا, كما اسلفنا الكتاب قراءة مهمة وجدير بالاحتفاء, وقد صدرت عن دار التكوين
"بدمشق.
Yomn.abbas@gmail.com