تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قولبة جديدة للمخطط التآمري

شؤون سياسية
الإثنين 10-3-2014
عبد الرحمن غنيم

لعل السؤال الكبير والخطير الذي يطرحُ نفسه هذه الأيام هو التالي: هل فشل «مشروع الشرق الأوسط الكبير » أم أنه ما زال قائماً ومخاطره لا تزال قائمة ؟ .

قد يرى البعض في الاستعصاء السوري على الأخذ , وفي التحوّل الذي حدث في مصر وأطاح بسلطة جماعة الإخوان المسلمين , ونجاحات الجيش العراقي بمواجهة الإرهاب , واتساع المطالبة الشعبية في تركيا باستقالة حكومة أردوغان , وفيما يجري في تونس وليبيا من تطورات , دلائل على فشل المخطط . لكن فهم طبيعة المخطط وأبعاده, وما ينطوي عليه من لعب على التناقضات , يجعلنا نتردّد في التسليم بأن الخطة قد انتهت, أو أن محاولات استمرار تنفيذها قد توقفت .‏

ولكي تكون قراءتنا لما حدث ويحدث , ولما يمكن أن يحدث , صحيحة, لا بدّ أن نتذكر دائماً بأن هذا الذي يحدث – ومهما تعددت الأطراف المشاركة فيه - يتمُّ لصالح الكيان الصهيوني وخططه العدوانية التوسعية , وأن الهدف الأساسي للصهاينة كان طوال الوقت وسيبقى متمثلاً في « التفتيت الاستراتيجي » للمنطقة . لكنّ هذا التفتيت ليس هدفاً في حدّ ذاته , وإنما هو المدخل لتمكين الكيان الصهيوني من السيطرة المباشرة أو غير المباشرة , وخاصة على الأرض العربية الواقعة بين الفرات والنيل .‏

إنّ الأدوات التي تستثمرُ الآن في تنفيذ هذا المخطط تتمثل في العصابات الإرهابية والمرتزقة والضالّة . وما هو مطلوبٌ من هذه العصابات من الزاوية الصهيونية أمران هما :‏

1 – إشغال واستنزاف العرب عسكرياً واقتصادياً .‏

2 – أداء دور الذريعة لتبرير الغزو الصهيوني التوسعي لاحقاً بدعوى القضاء على الإرهاب , بعد أن يكون هذا الإرهاب قد استفحل وأحرق الأخضر واليابس .‏

وهذا يعني أنّ ما يفعله الصهاينة , ومن يقفون وراءهم أو معهم , أنهم يصطنعون الظروف والذريعة التي تعطي الكيان الصهيوني مبرّر التوسع والقدرة على التوسع معاً.‏

إنّ هذه السياسة تعني أنّ من مصلحة الكيان الصهيوني توطينَ أكبر عددٍ ممكن من الإرهابيين في الأقطار المحيطة بفلسطين المحتلة , أي في لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر . وإذا فشل هؤلاء في تفتيت هذه الأقطار كما يحلم الصهاينة , فإنه مطلوبٌ منهم على الأقل أداءَ دور مزدوج, هو المشاغلة والاستنزاف داخل تلك الأقطار أولاً , وتشكيل حاجز أمني إرهابي بين فلسطين المحتلة والأقطار المجاورة هو ما أطلقنا عليه تسمية « قوس الإرهاب « . وهذه المصلحة الصهيونية تجدُ التجاوبَ من قبل البلدان التي ساهمت في تعبئة وتصدير الإرهابيين إلى سوريا , والتي تخشى الآن عودتهم إلى بلدانهم , فهي ترى في هذا الإجراء تبديداً لمخاوفها من عودة الإرهابيين إليها , عدا عن الدلالة التي ينطوي عليها , وهي الاستمرار في تنفيذ المؤامرة .‏

إن تموضع الإرهابيين على هذا النحو ينطوي على أمرين خطيرين :‏

أولهما – أنه سيكون بوسع الكيان الصهيوني وآل سعود متحالفين تقديم الخدمات اللوجستية للإرهابيين – سرّاً أو علناً – بشكل مباشر . فإسرائيل تتواصل مع حزام الإرهاب على امتداد حدود فلسطين المحتلة , ومهلكة آل سعود تتواصل معه عبر الحدود مع الأردن والعراق وخليج العقبة. ولا مشكلة بعد ذلك إذا خرجت تركيا من اللعب بعد الدور الذي أسند إليها في المرحلة السابقة . كما أن جميع الأطراف الأخرى المساهمة في دعم الإرهاب سيكون بوسعها التظاهر بالوقوف بعيداً ونفض يدها من اللعبة , أما الأردن الذي تستهدف جغرافيته فبوسع حكومته الادّعاء بأنها مغلوبة على أمرها , وأنها تحاول مقاومة الإرهاب ولكن دون جدوى , خاصة وأن المعطيات ترجح التحالف بين القاعدة والسلفيين وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن على نحو ما هو حاصل من تحالف بين هذه الجهات في مصر وسورية .‏

وثانيهما – أنه سيكون بوسع الإرهابيين التنقل على طول قوس الإرهاب المحيط بفلسطين المحتلة بحريّة نسبيّة , وخاصة عبر الأراضي الأردنية التي تتحول لتكون القاعدة الرئيسية للإرهاب . وهكذا يمكن المناورة – حسب الحاجة – على جميع الجبهات في الشمال والشرق والجنوب .‏

قد يقولُ قائلٌ : ألا يخشى الكيان الصهيوني في مثل هذه الحالة من أن ينقلب السحرُ عليه , وأن تتعرض مواقعه ومستوطناته للهجمات ؟ .‏

ومع أن التجربة العملية حتى الآن تعطي الطمأنينة للكيان الصهيوني بأنه لم ولن يستهدف من قبل الإرهابيين , إلا أننا نقول بأن هذا الكيان لا يعقل أن يستبعد هذا الاحتمال كلياً مع أنه يعلم بأن الإرهابيين لا يستطيعون الاستغناء عن خدماته وخدمات شركائه آل سعود , مما يكفل انضباطهم تجاهه , مثلما حدث في الماضي , ولكنه في لحظة اتخاذهم ذريعة لتبرير الغزو سيحتاج إلى خرقهم لهذا الانضباط بغية إعطاء الانطباع بأنه لا ولاية له عليهم أولاً , وأنهم يشكلون خطراً عليه ثانياً , وأن واجبه الإنساني تجاه يهوده وتجاه سكان المنطقة الذين استباحهم الإرهاب يفرض عليه التدخل للقضاء على الإرهاب ثالثاً , كما أن مصلحته الأمنية في مواجهة الإرهاب تستلزم بقاءه في أي مواقع يقوم باحتلالها بدعوى تخليصها من الإرهاب رابعاً . وبهذه الذرائع يتنصل من أيّ اتفاقات سلام مع بعض دول الجوار خامساً .‏

لعل الأمر الأكثر إثارةً في رصدِ وفهم أبعاد هذا المخطط يتعلق في الواقع بمستقبل كل من شرقيّ الأردن والأجزاء الشمالية والشمالية الغربية من مملكة آل سعود , وهي المناطق التي يتوقع أن يتموضع فيها الإرهابيون بكثافة . فتنامي القدرات الدفاعية والهجومية لمحور المقاومة , يفرض على الكيان الصهيوني التفكير بأمرين أساسيين :‏

أولهما – كيفية محاصرة أو إشغال أو إضعاف أو استنزاف قوى محور المقاومة . وإن توطين الإرهاب في القوس المحيط بفلسطين المحتلة من شأنه أن يساعد في أداء هذه الوظائف , عدا عن دوره في استمرار المحاولة الهادفة إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير .‏

وثانيهما – أن مواجهة التطور النوعي في القدرات الصاروخية لمحور المقاومة يجعل الكيان الصهيوني بحاجة إلى جغرافيا سياسية وعسكرية أوسع تسمح بنشر القواعد العسكرية الدفاعية والهجومية فيها بحيث يجري إبعاد الخطر – ولو جزئيا – عن تلك المناطق الضيقة المساحة والمكتظة بالمستوطنين والمنشآت الصناعية على ساحل البحر المتوسط . وإذا كان الصهاينة لجؤوا في الماضي إلى تكثيف تواجد مؤسساتهم العسكرية والصناعية في النقب , فإن هذه المنطقة لم تعد كافية في نظرهم , خاصة وأن إيران هي طرف أساسي في معادلة الصراع بالنسبة لهم . وهذا يجعل الصهاينة يفكرون بالتوسع شرقاً على حساب شرقي الأردن ومملكة آل سعود.‏

إن توطين الإرهاب في القوس المحيط بفلسطين المحتلة من شأنه أن يوفّرَ للصهاينة فرص الرهان على تحقيق الأمرين السابقين معاً . لكنه سيوفر لهم أيضاً فرص المناورة على جميع الجبهات في المنطقة بحيث تقوم العصابات الإرهابية سواء منها تلك التابعة للقاعدة أو لأحزاب وتنظيمات عميلة , بمواصلة تنفيذ الخطط الساعية إلى نشر الفوضى واستنزاف القوى . ولا يهم الصهاينة وشركاءهم في مثل هذه الحالة من هي القوى الصاعدة ومن هي القوى الهابطة طالما أن الصراع محتدم وتجري عملية تأجيجه بكل السبل والوسائل . فالمهم بالنسبة لهم أن يستمر تنفيذ المخطط , بما يتضمنه من استنزاف وتمزيق , ومهما طال أمدُ تنفيذ هذه العملية .‏

إن ما يحدث الآن , وما يمكن أن يحدث خلال الفترة القريبة القادمة , إنما هو قولبة جديدة للمخطط التآمري الذي يستهدف تنفيذ مخطط « الشرق الأوسط الكبير » في ضوء التطورات الحاصلة , وخاصة خلال السنوات الثلاث الماضية , وليس إقراراً بفشل المخطط أو قراراً بالتوقف عن مواصلة تنفيذه . وفي هذه القولبة سيكون الهدف هو استمرار العمليات الإرهابية في جميع الاتجاهات وبأسلوب حرب العصابات التي تشنها مجموعات صغيرة أو حتى يقوم بتنفيذها أفراد انتحاريون .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية