ايطاليا في صورة جديدة...وروما تحرك قاطرة الاتحاد الأوروبي
شؤون سياسية الثلاثاء 2/5/2006 علي سواحة لعل الانطباع العام للانتخابات التي جرت في إيطاليا مؤخراً سواء داخل الأوساط الايطالية أم خارجها على امتداد الساحة الأوروبية هو أن تلك الانتخابات التي فاز بها برومانو برودي شكلت عنصراً مهماً وارتياحاً شاملاً داخل ايطاليا وخارجها
لاسيما حيال إمكانية إيجاد أرضية جديدة لإنطلاق قاطرة الاتحاد الأوروبي المجمدة منذ الفشل الذي واجهه مشروع الدستور الأوروبي الموحد في المحطة الرئيسية له فرنسا. إذ إن الأوروبيين يرون بتواجد كل من ثاباتيرو في حكم إسبانيا وانجيلا ميركل في المانيا ورومانوبرودي الآن في روما من شأنه أن يعطي لأوروبا واتحادها الهرم انطلاقة جديدة لتحريك القاطرة الأوروبية المعطلة حالياً في نظر الأوروبيين وإذا كان الأوروبيون قد رحبوا بفوز برودي فإنهم في الوقت نفسه يتطلعون إلى الانتخابات الفرنسية الرئاسية التي ستجري بعد أشهر قليلة لانتخاب رئيس فرنسي جديد يأملون معه أن يكتمل مع فوز برودي في روما تجهيز انطلاق قطار أوروبا الموحدة لمواقع جديدة لها لإثبات ذاتها واستقلاليتها ودورها في الساحة العالمية كقوة مستقلة لا تابعة للغير كما هو عليه اليوم. ولعل أبرز مثال على أن برلوسكوني كان يمثل عقبة في نظر الأوروبيين لانطلاقة الاتحاد الأوروبي هو رده بعنف على النائب الالماني مارتين شولتز وذلك بعد يومين من فوزه عندما سأله شولتز عن وجود تناقض للمصالح بين أعماله الخاصة ومسؤولياته الحكومية حيال الاتحاد الأوروبي فجاء رده:بالطبع أعماله الخاصة وكذلك تهكم برلوسكوني على الفنلنديين الذين حاولوا استضافة اجتماعات وكالة التغذية الأوروبية في بلادهم مشيراً إلى أن الطعام سيىء للغاية لديهم. لكن الشيء العبثي الذي سجل على برلوسكوني من جانب الأوروبيين هو انضمامه السريع إلى محور الحرب على العراق مع لندن ومدريد وجر هذا المحور الأطلسي وراءه حتى العبثية ما شكل شرخاً داخل الاتحاد لا سيما مع الأعضاء الأوروبيين الشرقيين الجدد الذين انضموا إلى الاتحاد الأوروبي في أيار 2004 وقسم بذلك أوروبا لفريقين وهذا ما كان يتمناه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي استطاع أن يدب الحماس في نفس برلوسكوني ويرسل قواته إلى العراق إلى جانب القوات الأميركية والبريطانية خلافاً لرأي أكثرية الإيطاليين الذين عارضوا هذه الخطوة التي وصفوها باللامسؤولة.كما أن العتب الأوروبي والإيطالي على برلوسكوني كان واضحاً من خلال انسياقه وراء أفكار طوني بلير الذي روج لفكرة توسيع الاتحاد الأوروبي عشوائياً باتجاه إسرائيل وروسيا وكذلك ما آلت إليه السياسة الايطالية الخارجية في عهده والمؤيدة تلقائياً لإسرائيل. ولهذا فلم يكن سراً حينما أعلن الأوروبيون وبصراحة أنهم مع رومانو برودي سيجدون فيه الشريك المصداق لوحدة أوروبا واستقلالها .
ورمانوبردوي الذي اختارته ايطاليا على أمل أن يقودها إلى التغيير ولوأنه فاز بفارق بسيط أمام منافسه القوي سيلفيو برلسكوني يدرك تماماً أن حكومته السابقة التي سقطت في عام 1998 بسبب خيانة الحلفاء الشيوعيين له هو الذي يريد اليوم مصالحة كل الشعب الايطالي بما فيهم الشيوعيون لأنه يريد فتح صفحة جديدة لإيطاليا ولشعبها دون استثناء. كذلك برودي يدرك جيداً أنه لم ينتزع الفوز في الانتخابات بفعل الأكثرية الشعبية له بل بفضل النظام الانتخابي الذي وصفه خصمه ومنافسه برلسكوني اليميني حسب الطريقة النسبية ليساعده على تجديد فوزه لكنه وقع ضحيته ولهذا اتهم المعارضة بتزوير عمليات انتخابية أشرف عليها هو رافضاً الهزيمة ولذلك لجأ إلى القضاء على أمل تغيير النتيجة لصالحه كما فعل صديقه الرئيس بوش في كانون أول عام ألفين الذي تسلم ولايته عندما قرر خمسة قضاة من المحكمة الاميركية العليا وقف عملية عد الأصوات في ولاية فلوريدا الاميركية لكن برلسكوني عرض قيام حكومة ائتلافية مع برودي إلا أن الايطاليين أدركو أنها ليست سوى مناورة يعود بعدها برلسكوني إلى الاهتمام بأعماله الخاصة التي طالما خلط بينها وبين مصالح ايطاليا ومسؤولياتها السياسية الخارجية ما أوصل البلاد إلى حد الإفلاس الداخلي والانقياد الخارجي أي للولايات المتحدة.
أنها مهمة صعبة لرومانو بردوي لحكم إيطاليا لخمس سنوات قادمة لكنه أكد أنه سيضع حداً لسيطرة سلفه برلسكوني على أكثرية شبكات التلفزة في إيطاليا وغيرها وهي بالطبع مهمة ستكون صعبة بأكثرية ضيقة متوزعة بين أحزاب ايطالية تمتد من الديمقراطية المسيحية إلى أقصى اليسار لاسيما أن المطلوب في ايطاليا مع المرحلة الجديدة لها وبالذات داخلياً هو اصلاحات واسعة في العمق الايطالي كتحريك الاقتصاد المتقوقع على نفسه وتخفيض النفقات العامة ومعالجة ديون ايطاليا التي زادت في عهد برلسكوني إلى أربعة أضعاف قبل توليه الحكم.
|