وإذا كان برلسكوني قد تعهد لبوش بعدم سحب ما تبقى من القوات الايطالية البالغ عددهم ثلاثة آلاف جندي إلا باتفاق معه, فإن رئيس الوزراء الجديد رومانو برودي تعهد في حملته الانتخابية بسحب القوات الإيطالية بالاتفاق مع الحكومة العراقية لأنه لا دخل لإيطاليا في حرب لا مصلحة لها فيها خصوصاً وأن هذه الحرب قد جرت خارج إطار الشرعية الدولية.
وإذا ما قررت حكومة برودي المرتقبة سحب القوات الايطالية فإنه لن يبقى في الساحة العراقية إلا الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا التي شاركتها عدوانها على العراق وأعداد قليلة لجنود من دول قليلة كاليابان, وكانت اسبانيا قد سبقت ايطاليا في سحب قواتها من العراق في آذار 2004 عندما فاز الحزب الاشتراكي المعارض على حزب أزنار من يمين الوسط في خضم تظاهرات عارمة كان الاشتراكيون يقودونها ضد الغزو الأميركي للعراق مطالبين بسحب القوات الاسبانية.
ولكن ما النتائج التي حصدتها إيطاليا من حلفها مع الولايات المتحدة إيجابياً كان أم سلبياً?
صحيفة (لاريبوبليكا) رأت في هذا التحالف خيارآً غير دقيق لأنه أضعف النفوذ الايطالي في أوروبا, فالحكومة الايطالية راهنت على ميل ايطاليا إلى الوطنية على حساب الوحدة السياسية والاقتصادية الأوروبية على رغم إدراكها أخيرآً أن أوروبا هي درعنا الواقي في الشؤون الاقتصادية والسياسية الخارجية (الشرق الأوسط) والداخلية (الهجرة).
ولا شك في أن الحلف بين الولايات المتحدة وأوروبا ضروري, ولكن تهميش مكانة ايطاليا في أوروبا هو ثمرة سياسة برلسكوني الخارجية وتقويم مكانة ايطاليا في الشرق الأوسط تفاقم ضبابية الصورة وقتامتها فما جدوى انتشار قواتنا بالعراق بعد ثلاث سنوات ونصف?.
قد يكون وفاء برودي بوعده سحب القوات الايطالية الموجودة حالياً في العراق هو أسهل قرار على رئيس الوزراء الايطالي المقبل, وهو ما سيشكل ضربة موجعة لتحالف الحرب الذي يقوده بوش.
لقد كانت الأوساط الدبلوماسية العربية على حق حين استقبلت فوز رومانوبرودي وحزبه بالانتخابات الايطالية بارتياح كبير خصوصاً إذا ما عدنا إلى خلفية التوتر الذي شاب العلاقات العربية الايطالية طوال السنوات الخمس الماضية, التي لم تسلم فيها الشعوب الاسلامية من عداء وعنصرية برلسكوني عندما تطاول على تراثها واتهمها بالجهل والتخلف والزعم بأن الحضارة الغربية سوف تنتصر على الحضارة الاسلامية واستبعد التعايش بين الحضارتين, كما روج لنظريات الصدام بين الحضارات.
وإذا ما قارنا بين مواقف برودي صاحب التاريخ الحافل والذي سبق رئاسة المفوضية الأوروبية تجاه العرب وبين برلسكوني الذي يتبنى بالكامل المواقف الأميركية والاسرائيلية المعادية للعرب والمسلمين نجد أن برودي يحظى باحترام وتقدير وعلاقات واسعة النطاق مع دول عربية عديدة ومسؤوليها, فهل يكسب العرب حليفاً جديداً لهم وخصوصاً أن علاقات ايطاليا مع معظم البلدان العربية في تصاعد مستمر?.
أن الاصطفاف الأعمى برلسكوني إلى جانب الولايات المتحدة على حساب أوروبا كان أحد الأسباب التي أطاحت برئيس الوزراء الملياردير, ولهذا يعلق الايطاليون آمالاً على برودي لإعادة تصويب السياسة الايطالية والابتعاد قدر الإمكان عن الخيارات الأميركية وإعادة التوازن لإيطاليا في علاقاتها الدولية خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي.
بعدما اعتمد برلسكوني سياسة منحازة (لاسرائيل).
برودي يتطلع إلى إصلاحات جوهرية من أجل إعادة القوة إلى اقتصاد بلاده واستعادة دورها السياسي داخل المجموعة الأوروبية التي تتحكم في قراراتها ترويكا فرنسية - ألمانية- بريطانية..
إنها معركة إعادة تأسيس للوضع الايطالي برمته والايطاليون قالوا: إنه ليس أفضل من برودي الذي قاد بنجاح (تحالف الاتحاد) المعارض لحكومة برلسكوني اليمينية للقيام بهذه المهمة الصعبة فهل ينجح? نأمل ذلك.