والتحدي الأكبر أن تبحث عن فرصة عمل بعد الظهيرة ولا تجدها بسبب الأزمة ،وفي دوامة التحديات يعمل رب الأسرة ويلهث وراء لقمة العيش ليل نهار ،ليكون حاضرا ماديا ،غائبا معنويا في الأسرة ويترك لهمه ،لا وقت لديه للراحة أو للقلق ،وبعد فترة يتوقف الجميع عن الاعتماد عليه وإحاطته علما بما قد يزعجه، ويردد الكبار والصغار بشكل آلي الله يوفقه ،وتستسلم الزوجة لمسؤوليات مضاعفة .
وعلى حساب لقمة المواطن وكرامته تفتقت عبقرية المعنيين والمؤتمنين على هذه اللقمة أن لا زيادة على الراتب والحل الأجدى تحسين القدرة الشرائية له ،وعلى حساب لقمة المواطن وكرامته كانت محاولات النهوض بالقدرة الشرائية والتي باءت بالفشل وتحسر المواطن على ابتياع أشياء كثيرة كما يحب ويجب ،وكلامنا ليس من فراغ ولا على فراغ ،ويكفي لقياس القدرة الشرائية للمواطن أن تخوض في أحاديث وقصص كثيرة يمكن من خلالها قياس مؤشر مستوى المعيشة لدى معظم السوريين وخاصة أصحاب الدخل المحدود ،بدءا من اعتبار الكثيرين اللباس من الكماليات ،وركوب التاكسي رفاهية وليس انتهاء بأسر كثيرة لم تدخل اللحمة والحلويات وبعض أنواع الفواكه إلى بيوتها منذ أشهر ..وإن حصل واضطر البعض تحت ضغط الحاجة والضرورة إلى التسوق فالبسطات وجهتهم ،أليس في ذلك مؤشر مستوى معيشة حقيقي وشفاف .ولم تعد مشكلة المستهلك مع الأسواق تنحصر فقط في ارتفاع الأسعار والتلاعب بها وفرض هوامش ربح غير معقول ،بل المشكلة الأكثر وجعا وقهرا مزاجية بعض الباعة في تعاملهم مع الزبائن وتأففهم وتململهم واستهزائهم بقوت المواطن وصبره ،ومع الغش والتزوير تسود قاعدة (إذا ما عجبك اشتكي )متحدين حماية المستهلك وهو الضحية الأكثر تأثرا .
ويمكننا الاستعانة بمؤشر آخر يؤكد تدهور حاد في القدرة الشرائية لدى المواطن ،من خلال عدد المقترضين في غياب عقلنة مصاريف أو توفير ،وتحت ضغط معيشي يلتهم أية مدخرات إن وجدت ،استنزفتها معظم الأسر على أجور السكن أو أجور للنقل .
من جديد ،نؤكد لمن بيدهم الحل والربط أن هزالة الرواتب تفوق قدرته الشرائية وتتحداها ،وأن الحديث عن انخفاض للأسعار يجب أن يرافقه ضمان حدوثه فعليا على مستوى المحافظات والمناطق والقرى والأحياء ومن شارع لآخر ،وأن يكون منسجما بما يتناسب مع دخل المواطن،ويلبي حاجته وبالأسلوب الذي يحترم كرامته ،وعندما تكون السلعة رخيصة ومتوافرة وذات نوعية تتناسب مع ثمنها عندها يمكن أن نتحدث عن نجاح محاولات حكومية لرفع القدرة الشرائية للمواطن .
في بداية العام الجديد مازلنا نتسلح بتفاؤل مفرط يدفعنا لإنعاش الأمل بزيادة الراتب في زحمة شائعات عن زيادة ممكنة وهنا لابد من التمييز والوقوف وبعد أن أصبحت الحاجة والعوز شعارا والوصول إلى المتضررين منها وعلى المنضوين تحتها .ولابد من دراسة ووضع فهم ومعيار محدد وواضح مبني على الواقع تنسب المواطنين ما يناسبهم من فئات الدخل .
الحديث عن الراتب وما يلحق به من ذم ،حديث عن الوجع، والحديث عن الوجع يسكن الألم ولا يشفي ،حديث يحول هذه الأوقات العصيبة إلى دروس حياتية قيمية،وبانتظار العلاج ،مازلنا نطلب الحياة والاستمرار بها متمسكين بأمل يجمعنا وهو عنوان أمانينا لهذا العام ..أن يعود الأمن والأمان والاستقرار إلى الوطن .