كما يدعي شركاؤه في الحكم، ولم يكن هذا الأمر سوى مجرد عمل استعراضي، فإن اجتماع مجلس الوزراء سيكون فرصة ذهبية له للترويج لتوجهه هذا.
خلافاً لما يعتقده الكثير من الإسرائيليين، فإن الأميركيين لديهم الاطلاع والعلم على سائر الأسس القانونية والدستورية المطبقة في البلاد، وهم على دراية وفهم للتباين بين ما يعنيه تشكيل لجنة تحقيق رسمية يُسمى أعضاؤها من قبل رئيس المحكمة العليا، ولجنة التقصي الحكومية التي تُعين من قبل الوزراء. وإن هذين النوعين من اللجان تختلفان عن اللجنة غير الرسمية التي يرأسها يعقوب تيركل التي عهد إليها النظر في حادثة الأسطول المبحر إلى غزة، ذلك لأن لجنة تيركل تفتقر في الواقع إلى التفويض الحقيقي والوضع القانوني والصلاحيات التي تضمن لها القيام بما يلزم من التقصي، ولأن تشكيلها قد جاء من قبل عدد من المستشارين في مجلس الوزراء الذين يترأسهم وزير العدل ياكوف نئمان وجعل مهمتها تقتصر على كشف بعض الأمور الطفيفة دون الغوص في أمور أخرى ذات أهمية كبيرة.
إن ما يتعين على رئيس مجلس الوزراء أن يعلمه بأن القيام بتحقيق فعال يتسم بالصدقية سيضع الأساس لاحتمال عدم قيام الولايات المتحدة بدعم تشكيل لجنة دولية للتحقيق، علماً أن الأميركيين قد صرحوا بعدم استبعادهم تأييدها.
من الأمور المسلم بها، أن فرص تشكيل لجنة تحقيق رسمية ضعيفة جدا إلا في الحالة التي يطلب بها عدد من الوزراء من رئيس الحكومة تشكيلها، واقتران ذلك بموافقة وزير الدفاع إيهود باراك. وبهذا الشكل فقط، فإن قراراً بتعديل صلاحيات لجنة تيركل بجعلها لجنة تقص حكومية ذات صلاحيات واسعة ستأخذ طابعا قانونيا، وتكون لديها الامكانية الكاملة في إجراء التحقيق، الأمر الذي يشكل أهمية بالغة في عملها.
إن إعطاء لجنة التحقيق صلاحية التقصي سيمكنها من البحث والتدقيق للوصول إلى أهدافها، لكن إن بقيت على وضعها الراهن وبقي تفويضها مقتصرا على ما ورد بقرار إنشائها فإنها ستكون لجنة عقيمة وعديمة الفائدة وليس لها من أهمية في الداخل الإسرائيلي أو في العالم اجمع.
إن الصلاحيات المحدودة المعطاة لهذه اللجنة ستحول عملها إلى مجرد منتدى يدور به نقاش قانوني حول بعض المواضيع مثل مدى شرعية الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وفقاً لنصوص القانون الدولي، ومشروعية الحصار البحري المقام على مقربة من شواطئ غزة ومدى الالتزام الإسرائيلي بالقانون الدولي، والنظر بالتصرفات التي اتبعها منظموا الأسطول والآلية التي اتبعتها إسرائيل، وإجراءات المراقبة في الحالات التي تنتهك بها القوانين الدولية للحرب.
لم تخول لجنة تيركل بالتقصي في الإجراءات التي اتخذت لمجابهة الأسطول الصغير في المستوى السياسي، أو البحث في تصرف كبار المسؤولين العسكريين أمثال قائد سلاح البحرية الإسرائيلية، وإن الاقتصار على التفويض الحالي المعطى للجنة فيما يتعلق بالقوات العسكرية يسمح لها فقط بطلب المعلومات من رئيس هيئة أركان قوات الدفاع الإسرائيلية وتلقيها موجزاً عن التحقيقات العسكرية التي قامت بها رئاسة الأركان، يتنافى مع إجراء تحقيق جدي.
لا ريب أن التفويض الحالي المعطى للجنة يعتبر محدودا إذا ما قورن بالتفويض الذي أعطي إلى لجنة التحقيق الحكومية التي ترأسها القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد والتي حددت مهامها بإجراءات التحقيق في إخفاقات حرب لبنان الثانية، وشملت صلاحياتها التحقيق في التحضيرات والإجراءات للحرب في المستويين السياسي والعسكري، لذلك تمكنت من معالجة كل القضايا ذات العلاقة من حيث إدارة الحملة العسكرية أم النواحي المدنية والعسكرية والسياسية. الأمر الذي اتاح لها الإدلاء بآرائها واستنتاجاتها وتقديم التوصيات المناسبة حيال نتائج تلك الحرب.
تشكّل لجان التحقيق الرسمية بقرار من مجلس الوزراء، أو تسمى من قبل الوزراء المختصين في موضوع التحقيق، وقد سبق أن شهدنا لجنة تحقيق مشابهة للجنة الحالية وهي لجنة كاهان التي حققت في مجازر مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا في لبنان التي أكدت بأنه لن يتسنى لها القيام باستكمال التحقيق على أكمل وجه إلا إذا تجاوزت الصلاحيات المعطاة لها. إن القرار الذي شكّل لجنة تيركل قد كبل أيادي القائمين عليها في التصرف، الأمر الذي سيفضي الى عدم توصلها إلى النتائج التي تطمح إليها.
إن أي جدل أو نقاش في مجلس الوزراء لن يفضي إلى تمكين اللجنة من النهوض باستحقاقات التقصي، ذلك لأنه دون تفويض واسع وشامل فإن أي جهود ستبذلها اللجنة ستذهب أدراج الرياح. لذلك طالب القاضي تيركل وأكد على ضرورة توسيع صلاحياته في التدقيق لأنه لن يتمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليه إن لم يعط التفويض الحقيقي لمعالجة الأمور المنوطة به.
بقلم:زئيف سيغال