تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عقدة الخوف من الفشل.. بين الداء و الدواء

مجتمع
الأحد 18-7-2010م
لمعان ابراهيم

كثيراً ما يتعرض الانسان لمواقف مؤلمة محبطة بسبب طبيعته البشرية التي تتأثر بكل ما يحيط بها. فهو تواق إلى النجاح والانجاز في حياته الشخصية و العملية على جميع المستويات

إلا ان النجاح ليس حليفه الدائم و صعب المنال في كل مراحل الحياة، وخلق المرء ليجرب ويحاول ويخطىء واحياناً يفشل. لكن الفشل ليس عيباً وانما العيب هو أن لا يعترف الانسان بفشله لأن فشل الانسان ليس المحطة الأخيرة من تجاربه، و أفضل وسيلة للانتقام من الفشل هو النجاح وربما يصبح فضيلة ينطلق الإنسان بدافع منه للابداع والنجاح.‏

ولكي يصحح الانسان فشله يجب أن يكون واثقاً من نفسه لا يستسلم للضعف.‏

فالفشل يعني اخفاق الانسان في تحقيق هدف كان قد خطط له سابقاً، وقد يصاب الانسان به في بيته، مع أسرته، في عمله، او دراسته، مع أصدقائه أو في إدارته. و أهم ما يثير شعور الانسان وإحساسه بالفشل هو الاحباط والخوف من العقاب الذي ينتظره بدءاً من التهديد والتوبيخ و انتهاء بالعقوبات المادية و المعنوية كالإهانة من اقرب الاقربين التي تعتبر كالصاعقة و أقوى منها و الضرب و الفصل و النزاع و الخصم من قبل الآخرين، فيبقى الإنسان متوتراً يؤنبه ضميره ولا يقدم على المحاولة ثانية لتصحيح أخطائه وتحويل فشله إلى النجاح. و التهرب من الحل هو الفشل بعينه.‏

فن و أسرار‏

يشير الدكتور ابراهيم الفقي،- وهو مصري الاصل- في كتابه: «فن و أسرار اتخاذ القرار» إلى رجل في أواخر الخمسينيات كان يعمل في شركة «فورد» للسيارات بأنه نشب خلاف بينه و بين فورد نفسه و على أثره فصل من عمله لم ييئس هذا الرجل بل توجه إلى شركة «كرايزلر» العالمية للسيارات و استلم ادارتها بالرغم من أن هذه الشركة كانت على وشك الإفلاس و لكي يثبت جدارته قرر منافسة شركة «فورد» والتفوق عليها. كانت شركة «كرايزلر» العالمية للسيارات مدينة بأكثر من /80/ مليار دولار وكان أكثر من /500/ الف عامل مهدداً بالتشرد والجوع في الشوارع في حال اغلاقها و /2500/ فرع من فروعها في العالم معرضة للاغلاق، و لم يكن رأسمالها أكثر من /25/ مليون دولار فقط! فقرر هذا الرجل ان يفكر بطريقة منطقية ويطلب قرضاً ليعيد إلى هذه الشركة نشاطها فتوجه إلى الكونغرس الأمريكي وشرح وضع الشركة بالتفصيل بأن /500/ ألف عامل سيتعرضون إلى خطر البطالة والجوع في حال اغلاق هذه الشركة وطلب قرضاً وبالفعل أعطى الكونغرس هذا الرجل /5/ مليارات دولار. فوراً عاد الرجل إلى الشركة وأخذ يفكر ماذا يفعل ومن أين يبدأ؟‏

جاء هذا الرجل بأفضل المتخصصين وركز اهتمامه بالمنتجين و الاقسام القوية و أهمل الأقسام الضعيفة، و نظم الأمور الداخلية للشركة و خلال ثلاثة أشهر عاد النظام إلى هذه الشركة، و لكن بدت أمامه مشكلة التسويق ماذا يفعل ليجلب الناس إلى هذه الشركة لشراء السيارات اخذ يفكر في اختراع في السيارة لم تتوفر في السيارات الاخرى فجمع موظفي الشركة و طلب منهم ان يخترعوا سيارة تختلف عن السيارات الأخرى وإلا فالجميع مفصولون، وفعلاً و خلال ستة أشهر انتجوا أول سيارة مميزة عن السيارات الاخرى وتتكلم بعشرة أشياء مثلا: لا تنس الباب مفتوحاً.. لا تترك المفتاح.. وخلال ثمانية اشهر بيع مليون سيارة في هذه الشركة واستطاع هذا الرجل أن يسدد ديون الشركة في أقل من ست سنوات و اصبحت شركة «كرايزلر» العالمية من أقوى خمس شركات عالمية منتجة للسيارات وكل هذا النجاح كان بفضل قرار من رجل.‏

هذا المثال يقودنا إلى أن الانسان باستطاعته لو استخدم عقله قليلاً في اتخاذ قراراته المبنية على المنطق أن يحول فشله إلى انجاز و نجاح. لأن العقل و المنطق سيدا الموقف. هذا اذا حاول التحكم باحاسيسه و مشاعره وسلوكه و حاول الرجوع إلى أسباب فشله و جعل هذا الفشل دافعاً للنجاح. هنا سيكون سلوكه ايجابياً و سليماً. لأن النتائج تترتب على الافعال سواء كانت سلبية أو ايجابية ولأن الفعل يبنى على تفكير الإنسان و تركيزه وإحساسه وسلوكه.‏

مثال: انسان يقوم بريجيم و حاول الاقلال من الوجبات و لم يمر وقت وفجأة يشعر برغبة داخلية تدعوه لكسر ريجيمه وتتضخم هذه الرغبة فلم يعد يحتمل و فجأة يتوجه إلى البراد ويفتحه و يتناول ما بداخله بشراهة و كأنه «فجعان» بضعفه هذا أمام حالته الداخلية الطارئة- يخرق قراره و يفشل في معالجة مشكلته.‏

في الحقيقة كل انسان يمر بتجربة الفشل المريرة لا أحد يستطيع تجنب الفشل او تحقيق النجاح بشكل دائم و لكن يجب ألا نتأثر بالفشل لدرجة اننا نردد: أنا فاشل وسأبقى فاشلاً بهذا الكلام و كأن المرء يعيد ما قيل له و هو صغير و كأنه يريد ان يبقى على هذا الوضع. بالعكس علينا أن نستفيد من هذا الفشل و نحاول معالجته ونجعله دافعاً لنجاحنا في حياتنا اليومية. و قد اشار علماء النفس و الفلاسفة في ابحاثهم بأن الانسان يجب أن يتريث في إصدار الأحكام فلا يصدرها إلا على ما يبدو أمام عقله بوضوح و تميز و يتخذ العقل مصدراً للحقائق ومعياراً للتثبت من صوابها ثم يقرر استناداً إلى ما توصل إليه من حقائق كانت غامضة سابقاً. كما يجب عليه أن يتحرر من كل سلطة إلا سلطة العقل لينجز ما فشل فيه.‏

أسباب الخوف من الفشل‏

حدد علماء النفس اسباب الفشل في أن الفشل كثيراً ما يتعلق بالشخص نفسه كضعف روح المبادرة و الهمة وقلة الخبرة في حياته وعدم الاستفادة من خبرات الآخرين و التسرع في اتخاذ القرارات و نقص القدرات، و كذلك الحياة النمطية التي يكتسبها من المحيط و الاسرة و الوسط الاجتماعي الذي يترعرع فيه، أو البيئة التي ينشأ فيها، و المدرسة ووسائل الاعلام و عدم الثقة بالنفس و الخوف المرضي الذي هو ثقافة المجتمع الذي يحيط بالانسان كأن يخاف الانسان من الناس بسبب ما لقن به و هو صغير أو خوف الانسان من بعض الحيوانات والخ.‏

إضافة إلى ما يضيفه هو إلية و شعوره و خاصة بعد فشله بأنه لا يملك القدرة والامكانية ليسعى إلى النجاح. و يجلس و هو يندب حظه.‏

وكذلك عندما لم يحدد هدفه و لم ينطلق من الواقع بل يقفز فوق فيسقط سقطة قوية. كأن تستلم شركة مشروعاً وتحدد مهلة زمنية غير دقيقة لانهائه و تنفيذه دون تخطيط دقيق حتما ستفشل. وكذلك عندما تكون الاهداف روتينية لا ترتبط بالاثابة و التحفيز. وكذلك أهم اسباب الفشل هو النزاع و الخلافات بين الافراد و الجماعات وذلك عندما تتعدد الاوامر و تتضارب التوجيهات الصادرة للافراد و عندما تتعدد القيادات للعمل الواحد و يؤدي هذا إلى فشل العمل الاداري اينما كان وذلك بسبب افتقاره إلى المنهج و التخطيط العلميين إضافة إلى أنه عندما تسند المسؤولية إلي غير أهلها. أي عندما لا يكون الرجل المناسب في المكان المناسب.‏

ما الحلول؟‏

لقد خلق الانسان في أحسن صورة يمتلك قدرات هائلة ان استخدم جزءاً منها وبأسلوب صحيح استطاع مواجهة كل الظروف الصعبة والتحديات الكبرى. فما من انسان نجح للوهلة ومن التجربة الأولى ربما يتعرض للفشل لأكثر من مرة فما عليه إلا ان يعيد ما فشل فيه ويحاول الاستفادة من هذا الفشل ويجعله دافعاً لنجاحه و ألا يدع الاحباط و اليأس يسيطر ان عليه بل عليه الاقرار بالتفاؤل والفوز و لا يتأثر بالمؤثرات الخارجية و يتخذ من فشله و أسبابه أداة ودافعاً لنجاحه ويسعى إلى التغيير و التعديل و يحدد هدفه و يخطط ويضع منهجاً لتحويل الفشل إلى النجاح عن طريق الرجوع إلى أسباب الفشل ودراسة الجوانب السلبية و تصحيح الخطأ و سبب التقصير و محاولة تلافيها. هذا المنهج يسمى «بالمنهج التحويلي» اي تحويل الفشل إلي دافع للنجاح عن طريق اعادة الثقة بالنفس والامانة وقوة الشخصية و ما يميزها عن الآخرين ومحاولة الاستفادة من خبرات و تجارب الاخرين و نزع الخوف من جذوره ليصنع الانسان من كبوته انتصاراً.‏

وأخيراً يستطيع المرء بالتفكير الصحيح و السليم ان يحدد مصيره، ولا ينجح الانسان في حياته إلا اذا استفاد من اخطائه و من خبراته وخبرات الاخرين، ولكي يكون ناجحاً في حياته يجب ان يملك قوة ذاتية و أن يحاول تجاهل ما تعرض له سابقاً من فشل و ان يكون جريئاً. و قوته الذاتية تشمل الأمانة والصدق و الثقة بالنفس وراحة الذهن و تخطيط و تحديد الهدف. وكل ما يناقض هذه القيم هو الفشل بعينه، و خير وسيلة للانتقام من الفشل هو السعي إلى النجاح. ومن يتعلم من اخطائه فهو ادرى بطعم النجاح.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية