من ذلك كان انتشار المؤسسات الاجتماعية في بلادنا ولتشكل وجوهاً من الخير والتكافل الاجتماعي تبعث على العجب والدهشة من الآخرين وتدل على شمول نزعتنا الإنسانية التي اشتهرت فيها بلدنا مهد الحضارات والإنسانية انطلاقاً من الدعوة إلى الخير، فالغني يجود بماله وجاهه وأما الفقير فيفعله بيده وقلبه ولسانه وعمله، وهو ما يفسر انتشار المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية بكل اختصاصاتها /مجهولو النسب، اليتامى، المعوقون/ وكلها تسعى لتوفير العيش الكريم لهم وتأمين ما يحتاجونه من سكن وغذاء ولباس وتعليم ودواء../ ولأن التنظيم سمة العمل الناجح فقد صدر قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة عام 1958م ونظم عملها بما يتوافق مع القانون وحفاظاً على حسن سير هذا العمل وتحقيق مبتغاه, ومع مرور الأيام وفي ظل التطورات والمتغيرات الاجتماعية وسواها فقد أصبح لازماً ولضرورة محاكاة التطور تعديل هذا القانون وتشذيبه وإضافة ما هو صالح لهذه المحاكاة, فشكلت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لجنة من الوزارة وأعضاء من المجتمع الأهلي وخبراء بالقانون والإدارة والمالية مهمتها الإعداد لمشروع قانون جديد ينظم عمل هذه المؤسسات ويحقق الاستفادة المرجوة في ظل الخطط التنموية للقطر والحاجات المتزايدة.
ولاستيضاح بعض الأمور كان لنا لقاء مع السيد ماهر رزق مدير الخدمات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حدثنا فيه عن القانون الجديد حيث قال: في البداية لابد من التنويه إلى أن هذا التعديل ستتم مناقشته بعد أن يتخذ شكله النهائي مع الجمعيات الأهلية وصاحبة الاهتمام وسيتم عقد ورشات عمل لمناقشته ليكون شكله النهائي مقبولاً من الجميع وقانوناً عصرياً يلبي الحاجات التي وضع من أجله لذا فقد تمت تسميته بقانون المجتمع الأهلي بدلاً من قانون الجمعيات وذلك لأنه سيكون بوابة لأشكال جديدة مثل النوادي الاجتماعية والشركات غير الربحية والمؤسسات الأهلية بدلاً من شكله التقليدي السابق ولكل شكل ملامحه القانونية والتشكيلية من حيث الإدارة تمكنه من استيعاب العمل الأهلي على اختلاف أشكاله وهذا معمول فيه لكل دول العالم المتقدمة وغيرها.
التحول إلى العمل المؤسساتي
ومن جانب آخر يرى السيد رزق أن القانون الجديد سيعمل على قواعد تحكم عمل المنظمات الأهلية إدارياً ومالياً تحولها من شكلها العفوي المعمول به حالياً إلى العمل المؤسساتي وبطرق وأساليب مؤسساتية هادفة تقدم خدماتها بشكل تنموي وتدعم فعاليات مختلفة.
وعلى سبيل المثال بعضها يعمل على دعم الطلاب وأخرى تقدم خدماتها الصحية والتأهيلية وبشكل يحافظ على استمرار عملها بوجود أنظمة إدارية ومالية لوحظ فيه منح مزايا تفضيلية تزداد تلقائياً كلما كان عمل هذه المؤسسات متوافقا مع الخطط التنموية للدولة، وهو ما نسعى إليه أي الوصول إلى جمعيات تنموية غير مقتصرة على شكلها التقليدي ورداً على السؤال أن ذلك يعني إلغاء الجمعيات القائمة حالياً بأشكال جديدة.
أكد السيد ماهر ألا يفهم من كلامه أنهم بصدد إلغاء القائمة بل إنهم سيبقون على الجمعيات القائمة حالياً والتي تمنح الاعانات كما هي لكن بفكر جديد وليس كمؤسسة جديدة، بينما هناك حالات نادرة لا يمكن تأهيلها ستحافظ على شكلها القديم.
غير أن التركيز سيكون على الشكل التنموي للمؤسسة وهو ما سيعطيها المزايا التفضيلية والاعفاءات، فلكل شكل مزاياه الخاصة وهذا الأمر سيدفع المهتمين باختيار ما يناسبهم أما جمعيات المعوقين سيتم دعم جمعيات المعوقين التي تعمل على تمكين المعوقين وتقدم لهم أعمالاً وتأهيلاً يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم.
هل سيتم دمج الجمعيات التي تشترك في مهام ونشاطات مشتركة؟
بالنسبة للدمج فقد أجاز القانون القديم ذلك إذا كانت أماكن عملها وأهدافها متشابهة وأظن أن عملية الدمج تصبح ضرورة خاصة وأن بعضها للأسف غير فعال فعدد الجمعيات في سورية حوالي 1500 جمعية ليست على سوية واحدة.
عقوبات أشد
ما جديد مشروع القانون المقترح؟
لقد أفرد القانون الجديد فصلاً لعامل التشاركية بين الجمعيات والمؤسسات على اختلافها ووضعت القواعد الناظمة لذلك في سبيل تحقيق مكاسب مشتركة، وعلى سبيل المثال إذا وجدت جمعية في منطقة ما تعنى بالخدمات الصحية فيمكن لوزارة الصحة مثلا بدلا من انشاء مشفى أو مركز صحي وبموجب اتفاق بتحويل مرضى على قائمة الانتظار في المشافي إلى الجمعية مقابل مبلغ مالي متفق عليه وهو ما يعرف بشراء الخدمة يحقق الغاية المرجوة وهي تقديم الخدمة الصحية للمريض، ومن جهة ثانية تحقيق مورد مالي للجمعية للقيام بخدماتها وفي ذلك مصلحة للطرفين.
أما في المجال القانوني فقد تشدد القانون الجديد على بعض العقوبات سواء المادية أو حجز الحرية /الحبس/ وفي بعض الأحيان وبعض المواقف لا يمكن استبدال السجن بالغرامة المادية وذلك لردع المقصرين والمخالفين، وفي ذلك سيفكر المخالف ملياً في مخالفته مما يحول دونها وتحقيق العمل بشكله الصحيح أما على الصعيد المالي والإداري فسيتم الاستعاضة عن الأشكال المالية القديمة كالتبرعات مثلا بأشكال متطورة وتحاكي العصر الحالي، فمثلاً عن طريق الهاتف أو غيره أو عن طريق رد المساهمة الاجتماعية كما هو معمول به في كل دول العالم كما سيتم وضع إدارة تنفيذية لا علاقة لها بمجلس الإدارة القائم حالياً فلكل دوره بعيداً عما هو متعارف عليه حالياً مما يدفع للاستمرارية في العمل ورفد هذه المؤسسات بالدماء الجديدة.
ويختتم السيد ماهر رزق بقوله: نحن بكل تأكيد مع فسح المجال لمشاركة كل أطياف المجتمع الأهلي وفتح آفاق جديدة أمام الجميع بشكل فعال يحقق الغاية المرجوة منها.
بعد حديث السيد ماهر رزق والذي يعبر عن رؤية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل نقول: لقد آن الأوان لتعديل القانون القديم وتقديم أنماط جديدة تحول دون اللاحضاري منها وتجذر الجيد الذي نم عن الوجه الحضاري لسورية اليوم، أما الآخر فهو يزيد الفجوة بين أفراد المجتمع فكل الجهود الشريفة والمخلصة تسعى لجعل مجتمعنا السوري مجتمعاً متراصاً ينعم فيه الناس بالأمن والخير والكرامة والسلام.