تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ألبرتــــو مورافيـــــا... وثـــــورة مـــــن المفـــردات الخالــــدة..

ثقافة
الأربعاء4-11-2009م
هفاف ميهوب

«لا يمكن للكاتب اليوم، أن يستعمل ضمير الغائب.

لأنه لا يمكن له أن يكون الناطق والمعبِّر عن المجتمع، يفسرّه ويتقاسم معه سلم القيم. لا يمكن له الكلام عن نفسه ولنفسه.. وهذا يعني أن عالمه ليس عالم الآخرين بل عالمه وحده، ومن هنا فإن ضمير المتكلم يفضل على ضمير الغائب». (ألبرتو مورافيا- من مقابلة في روما نشرت في مجلة الطليعة الدمشقية).‏

ألبرتو مورافيا إنه أحد أشهر كتاب ايطاليا في القرن العشرين. وهو رغم ولادته ضمن أسرة ثرية. إلا أنه استطاع أن يدخل إلى أعماق النفس البشرية ليعري المجتمع والفساد والسلطة ما جعله مثار شهرة واعجاب القراء مثلما هو مثار غضب وملاحقة النظام الفاشي.‏

ولد عام 1907 في روما. وكان أبوه يهودياً رساماً ومهندساً. حاول تأمين كل أسباب الرفاهية له ودون أن يستطيع دفعه لإكمال دراسته، وذلك لاصابته بمرض السل الذي أقعده في الفراش لمدة خمس سنوات، قضى عامان منهما في منزله وثلاثة في مصح على أطراف المدينة.‏

يبدو أن سنوات مرضه قد أتاحت له قراءة مستفيضة في شتى مجالات الأدب والفلسفة والفكر ليتأثر بكتابات (دستويفسكي) التي ظهرت آثارها لديه فيما بعد من خلال نزعته للتحليل النفسي. مثلما ظهر تأثره بـ(شكسبير) الذي ألهمه البحث عن نزعة الشر لدى الانسان ليبرع أيضاً في السخرية التي أخذها عن (موليير) وبعد أن قرأ كتبه بشغف كبير..‏

ترك (مورافيا) المصح وانتقل للعيش مع عائلته بعد أربعة أعوام نشر روايته الأولى (زمن اللامبالاة) 1929.‏

وقد كان لها كبير الأثر في الأوساط الأدبية والثقافية الايطالية حيث كانت أول رواية تعتمد على التحليل الواقعي لانحطاط القيم الأخلاقية في مجتمع روما. وبطريقة فلسفية ضربت عمق الفساد.‏

أيضاً... وبعد أن توالت كتاباته في الصحافة والتي بيّن فيها عن مواقفه السياسية ورسائله ورحلاته ومواقفه المناهضة للحرب والرأسمالية. نشر روايتين هما (مراهقان) و(تنكر) وقد لاقتا نجاحاً كبيراً حيث عدهما النقاد مثالاً بارزاً للرواية الايطالية المعاصرة وذلك من خلال تمكنه من كشف الخلل في المجتمع الايطالي وفي ظل النظام الفاشي الذي سارع لشن حملة ضدهما وضد (مورافيا) وبتهمة معاداة المجتمع ومحاولة تخريب الروح الشعبية، ما جعل (مورافيا) يسافر إلى الولايات المتحدة هرباً من الفاشية ولإلقاء سلسلة محاضرات هناك.. رغم ذلك لم يتوقف عن اصدار المزيد من رواياته فها هو ينشر (الاحتيال) التي وبعد صدورها شعر أن السلطة تترصده ليبدأ بعدها الكتابة بطريقة رمزية فيصدر رواية (الحلم البطيء) التي كانت شديدة الغموض. تبرز نزعة الشك والعدم ولكن بشكل خفي وغير واضح.‏

كل هذا لم يفده فقد استولت الشرطة على رواياته ما دفعه للكتابة باسم مستعار ومن ثم توقف عن النشر حتى إشعار بالأمان. وكانت زوجته الروائية الايطالية (أليسا موراني) قد ساعدته على ذلك، حيث أخذته بعيداً عن روما ولم يعودا إليها حتى سقوط الفاشية.‏

بعد الحرب العالمية الثانية أخذت شهرته تزداد في ايطاليا والعالم أجمع فقد أصدر المزيد من الروايات التي هيمنت على سوق النشر والصحافة. وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة عالمية مثلما نالت أيضاً العديد من الجوائز وحولت إلى أعمال سينمائية.‏

بعد روايته (الاحتقار) التي جرت وقائعها في ايطاليا، وتتحدث عن زوجين تفاوتت ثقافتهما.. انفصل عن زوجته وذهب للعيش مع كاتبة شابة ليبدأ تركيزه على الكتابة المسرحية التي لم تكن أقل حدة ونقداً من رواياته، بل أقل نجاحاً وحصداً للشهرة والجوائز وخصوصاً أنها طرحت مجموعة مشكلات أخلاقية وسياسية واقتصادية هزت أعماق المجتمع الذي تهافت أفراده لقراءة أعمال (مورافيا) وبكل ما فيها من شهوانية وابتذال ومن ثم رفعة خلاقة جعلت أبطاله يرزحون تحت حالات من الخيال القلق وبصور مؤثرة ومتمكنة من العالم الرأسمالي ومما فيه من أسواق مغرقة ببضاعة الجسد.. فنانون مختلفون.. نساء مسنات وحفلات مجون متعددة الصور..‏

أخيراً أدار (مورافيا) ظهره لأوروبا وبدأت رحلاته إلى افريقيا فكتب (لأي قبيلة تنتمي) وترجم إلى العربية بعنوان (رسائل الصحراء).‏

أيضاً زار الشرق الأوسط والعالم العربي وأصدر ألبوماً مصوراً عن بغداد، ثم زار هيروشيما وكتب سلسلة مقالات عن القنبلة الذرية أصدرها في كتاب عنوانه (الانسان ينظر)...‏

لقد استمر هذا الكاتب يقدم للابداع حتى آخر لحظة من حياته ذلك أنه فجأة وفي (26) أيلول من عام 1990 وجد ميتاً في حمام شقته في روما ليقوم أحد الكتاب وفي العام نفسه بكتابة ونشر سيرته الذاتية (حياة مورافيا).‏

نعم رحل لكن ليس قبل أن يترك بصمة ابداعية خالدة ولأجيال متعددة من القراء سواء الذين عرفوه أو من سيبقون ينقبون في الأدب عن أكبر أدباء ايطاليا عمراً وأشدهم ثروة، بل عمن لم تهدأ ثورة مفرداته إلا بعد أن تجاوز الثمانين بأعوام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية