تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حائك السجاد العجمي

كل أربعاء
الأربعاء 4-11-2009م
سهيل إبراهيم

يمضي حائك السـجاد العجمي في طهران ، باسـتعـراض مهاراته في المـلـعـب الـدولـي ، بإيـقاع هادئ و بـصـيـرة ثـاقـبـة ،

و خبـرة زودتها التجارب بفنون المكر ، و استدراج الخصوم إلى الملعب الذي يتقن فيه الإيـرانـيـون اسـتخدام أسـلحتهم بكفاءة عـالـية ، لا يـذهـب بـها التهور بعيداً ، و لا يقيدها الحذر ، في معركة امتحان الإرادات ، التي انشدَّ إليها بصر العالم منذ سنوات عديدة ، و ربما منذ عقود .‏‏

فلحائك السجاد العجمي قصة مع القوى العظمى في الغرب ، صارت تعرف اليوم بقصة الملف النووي الإيـراني ، القصة التي تدور على أطرافها حرب الخيارات الوطنية للقوى الناشئة ، مع استبداد شرطة العالم المسـلحـة بالعلم و التكنولوجيا والسلاح النووي و قرارات مجلس الأمن ، في رسم الممرات الإجبارية للقوى الاقليمية الناشـئة في الوصول إلى خياراتها ، حتى و لو اقتضى الأمر لجـوءهـا إلى القـوة المسلحة فـي أسـوأ الاحتمالات ، دفعاً للتمرد و العصيان !‏‏

كـانـت المعادلة واضحـة في عـقـل صانع القـرار الايـرانـي حـينـما شـرع في حـياكـة مشـروع نـووي للأغـراض السـلـمـيـة ، و كانـت كل الاحـتمالات ماثلـة أمام عينيه منذ اللحظة الأولى ، من بيانات الاستنكار و الإدانة إلى اسـتحضار مجـلـس الأمن لفـرض العقـوبـات ، إلى التلويح باستخدام القوة ، و هو من أجل ذلك مضى في خطواته على طريقين متوازيين ، بناء قوته الذاتية ، و تطوير مـشـروعه النووي بتصميم لم تبدل فيه شيئاً كل الأصداء الصاخبة القادمة من خلف البحار و المحيطات !‏‏

اختار روزنامته المفضلة التي يجـيـد فيها استثمار الوقت و ترك للروزنامة الأخرى التي يصعد الغرب على درجات سُـلَّمها أن تفصح عن مواعيدها محطة وراء أخرى ، و كلما كشف التحالف الغربي عن توقيت عرض عليه حائك السجاد العجمي توقيتاً مختلفاً لا يقطع حبل الحوار و لا يزيد في متانته ، و مع كل توقيت كان العقل الاستراتيجي الإيراني يضخ في ميزان قوته الذاتية ثقلاً جديداً مع مطلع كل صباح !‏‏

لم تُجدِ بيانات الشـجـب و الإدانة التي استهلكها التحالف الغربي في وجه الملف النووي الإيراني ، فنقل المـلف إلى مجـلس الأمن من وكالة الطاقة الذرية ، و استصدر قرارات فرض العقوبات ، لكن صانع القرار الإيـرانـي لم يـلـن ، بل راح يـعـلـن مـفـاجـآت بدء تخصيب اليورانيوم ، و يرسل على الهواء أشرطة تصور انـجـازاتـه الـتـي قـطـعـت شوطاً بعيداً في امتلاك الوقود النووي ، و في لحظة مفصلية سقط فيها بوش الابن و دخـل أوبـامـا إلى المـكـتـب الـبـيـضاوي في البيت الأبيض مصحوباً بشعارات الحوار و التفاوض ، فتحت طـهـران نـافـذة مـواربـة لاسـتـقـبـال بـيان أوباما الأول ، ثم تختار إغلاق النافذة أو فتحها ، لكن البيان الأول الرئاسي الأمريكي دعا إلى الحوار و التفاوض ، والنافذة الإيرانية ظلت مواربة !‏‏

أعـلـنـت الـروزنـامـة الغربية توقيتاً للحوار ، فرد حائك السجاد العجمي بتوقيت آخر ، و قبل أن يجلس عـلـى طـاولـة التفاوض أرسـل إلى التحالف الغربي جدول أعماله المتضمن رؤيته للعالم من أفـغـانـستان إلى أمـريـكـا الـلاتـينية ، وحين جلس على الطاولة أمام هذا الحشد الغربي كانت تجاربه الصاروخية و مناوراته الحـربـيـة قـد صـمَّـت الآذان ، و كأنه يقول للرؤوس الحامية التي احتشدت على الجانب الآخر من الطاولة : نتفق أو نذهب إلى حافة الهاوية ، و الذهاب إلى حافة الهاوية ليس فيه منتصر !‏‏

قـدمت الـرؤوس الحـامـيـة عـرضها التخصيب عالي المسـتوى إلى روسـيا و فرنسا ! فوضع المفاوض الإيـرانـي العـرض في جـيـبه و عاد إلى طهران ، وضعوا له توقيتاً للرد ، فحدد توقيتاً آخر ، لكن الرد حين أتى جاء بعـرض مضـاد و بـلغـة مـواربـة ما زال التحالف الغـربي ينشغل في فك رموزها ، و حائك السجاد العجمي ما زال ماضياً في اسـتعراض مهاراته في التفاوض و اسـتثمار الوقت و إضافة ثقل جديد إلى ميزان قوته مع مطلع كل صباح ، واثقاً أن الذهاب إلى حافة الهاوية خيار لن يقدم عليه أحد !‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية