تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«طبرق».. في ساحة الحرب.. الكاميرا تنشغل بالتقاط الإنساني..

مهرجان دمشق السينمائي
الخميس 5-11-2009م
لميس علي

لا تلتقط كاميرا المخرج فاتسلاف مارهوول في فيلم طبرق التشيكي مجريات الحرب العالمية الثانية بمقدار ما تبحث وتمضي ، خلف تفاصيل حرب الإنسان الداخلية- حربه مع ذاته- والتي تتفجر بأقصى حالاتها على ساحة تلك الحرب الظاهرية.

حرب الواقع ليست سوى خلفية، ولهذا لم يخض فيها المخرج، لا يهمه نتائجها، تفاصيلها، وقائعها أو حتى أسبابها.. فالمجدي والمهم لديه هو ما تحدثه من أثر بمن يكن شاهداً عليها.‏‏

اعتماداً على هذا الرؤية لن نشاهد معارك ينشغل بها الفيلم طوال مدته.. ولن نستمع إلى ضوضائها وضجيجها، إلا وفق ما تقتضيه غايات الحكاية التي هي بدورها ليست تقليدية ذات بداية ونهاية ترتبط بمصائر شخوص محدّدين ، على الرغم من أن الفيلم يقدم الكثير مما يريد قوله من خلال إحدى الشخصيات الرئيسية جيركا.‏‏

منظور العمل الإنساني يبث من خلال عيني الجندي جيركا.. من خلاله تتساءل.. أو تمتحن إحساسك عندما تضطر لقتل أحدهم ، حتى لو كان عدواً للمرة الأولى.‏‏

وستقف مكبلاً تصدمك المباغتة الحربية التي تلقي بجثة أحدهم أمامك.. ترقب عندها ما يعنيه أن يلفظ آدمي أنفاسه الأخيرة أمام ناظريك مسربلا بدمائه وأنت يقيدك عجزك عن فعل أي شيء.‏‏

في الفيلم مشاهد حيّة نابضة تختبر درجة الانسانية في مطلق انسان إلى أقصاها.. فيض عارم من امتزاج المشاعر الإنسانية.. تناقضها..تنافرها.. تجاذبها.. بين أفراد المجموعة الحربية الواحدة، أو حتى داخل الشخص نفسه.‏‏

هكذا تمضي عدسة (مارهوول) وراء كل حدث صغير- مغفل في العادة- يجري بين الجند.. هواجسهم أثناء التواجد على الجبهة.. بماذا يفكرون..؟ وعما يتحدثون؟‏‏

بالعموم.. تلتقط هذه العدسة يوميات أولئك الجنود مهتمة بالبعد السايكولوجي أكثر مما تهتم بالتفصيل التوثيقي لحدث الحرب تنشغل باجتذاب والتقاط العابر المهمل والمهمش في سير أحداث وأهوال الحروب.. الكاميرا تبحث عن الإنساني في ساحة الحرب.. ساحة صحراوية.‏‏

فأحداث الفيلم تجري في صحراء طبرق العربية أثناء اشتباكات تتم ما بين دول المحور ممثلين بإيطاليا ودول الحلفاء ممثلين بالجند التشيكيين والبولونيين.. وكأنما كان لهذه الخلفية المكانية أثرها بجعل الموسيقا مشحونة بطابع مشرقي.‏‏

بصرياً.. يتحرر الفيلم من كل زخم التقنيات البصرية وزخرفاتها مراعياً العودة إلى ذاك الزمن بأسلوب واقعي الصورة بسيطة تنحو باتجاه واقع الحال على أرض معركة صحراوية.‏‏

البراعة التقنية تبرز في تجسيد مشهد تطاير أحدهم جراء انفجار قذيفة وفي مشهد آخر يصور جثة جندي متحولة إلى هيكل عظمي.‏‏

خلاصة الفيلم لا تخلو من رمزية.. ولاسيما مشهد النهاية الذي يبدو فيه جنود ثلاثة إلى جانب بعضهم.. ميت .. حي .. وآخر (بين بين) خيّر وشرير والأوسط يجمع ما بينهما.. خلطة الأحياء والأموات، الأشرار والأخيار..خلطة تفرزها حرب.. أو ربما هي التي تسبب حرباً لجبهتين داخلية ذاتية وأخرى خارجية.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية