«زهور عباد الشمس العمياء» صراع الحرية والاضطهاد
مهرجان دمشق السينمائي الخميس 5-11-2009م فؤاد مسعد بعيداً عن التنظير والسرد التاريخي يقدم المخرج الاسباني خوسيه لويس كيوردا رؤيته للحرية والاضطهاد والمعاناة في مرحلة تاريخية هامة
من الحياة في اسبانيا من خلال حكاية مشوقة تتراكض فيها الأحداث لنكتشف أننا نركض وراء أحداث وأشخاص محكوم عليهم بالموت مهما حاولوا الفرار .. فيلم (زهور عباد الشمس العمياء) الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان دمشق السينمائي يطرح فكرته الأساسية من خلال عنوانه فزهور عباد الشمس العمياء لا ترى نور الحق والشمس وإنما هي عمياء مستسلمة للظلمة .
إنها ألينا (ماريبل فيردو) التي ارتضت أن تكون الزوجة المخلصة والأم المضحية ، فزوجها ريكاردو (خافيير كامارا) المطلوب من قبل الشرطة مُختبئ في غرفة سرية في المنزل أما ابنتها الكبرى فقد هربت وهي حامل مع حبيبها بحثاً عن حياة أفضل ولكن طرق الهرب مقفولة والموت يقف أمامهما بالمرصاد وقبل وصولها إلى الحدود تضع مولودها ولا تلبث أن تلقى حتفها مع ابنها ومن ثم يُقتل حبيبها فبات حتى الحلم يوأد قبل أن يولد تحت ظرف القهر والظلم .. أما الابن الأصغر لألينا فتسجله في مدرسة البلدة التابعة للكنيسة في محاولة منها للظهور وكأن حياتها تسير بشكل طبيعي واعتيادي كي لا تثير الشك والريبة في محيطها حول زوجها وابنتها .. إلا أن المشكلات تأبى أن تفارقها فحين يراها الشماس الشاب سالفادور (راؤول أريفالو) الذي يشرف على تعليم ابنها في المدرسة تروق له وهو رجل أتى من الجيش وكان ممن يقتلون بدم بارد ولكنه يحاول الخروج عن هذه الحالة فيجد الطريقة الأفضل أن يصبح كاهناً وبالفعل يحاول (القس) مد يد العون إليه فيرسمه برتبة شماس ويعينه مدرساً في المدرسة فيستغل هذا المكان للإيقاع بإلينا ظناً منه أنها أرملة ، ويستدرج ابنها لمعرفة أخبار عائلته فيقول له أن والده قد توفي وأمه هي المسؤولة عنه ، ولكنه لا يكتفي بهذا القسط من المعلومات وإنما يستقصي عنها بشكل أكبر ويفتش عن كل ما يتعلق بها فقد حرّكت فيه شعور ما ولم يستطع أن يقف في وجه الغواية .. هي ليست غواية امرأة وإنما غواية الشيطان في داخله .. فيذهب في اتجاه كشف الغموض الذي يحيط بهذه العائلة للوصول إلى الأم ويستخدم خبرته العسكرية ومعارفه ليزيح الستار عما كان يجهله عنها محاولاً استغلال هذه المعرفة للوصول إليها . وبخبثه ودهائه يحاول الإيقاع بها لا بل إنه يفتعل الأكاذيب لدى مدير المدرسة كي يخرج ويلحق بها ويكلمها ويقترب منها ودائماً حجته الخوف على ابنها وسعيه لتأمين مستقبل أفضل له فهو كما يقول يريد مساعدتها في تربيته بينما ترفض هي تلك الحجج وتحاول تجنبه ، وحين يلمسها تظهر عليها علائم متناقضة ما بين الصراع والرغبة ، فهي ترفض الوقوع في شراكه ولكنها بالوقت ذاته تعاني كبتاً يجعلها أحوج إلى تلك اللمسات خاصة أن زوجها المهزوم بات بعيد عنها روحياً ويعيش انكساراته الداخلية لا بل أصبح شعور الهزيمة يلاحقه حتى في بيته فأمسى كالفأر يختبئ عند سماع أول صوت قادم من الخارج ، أما الزوجة التي تعيش الحرمان العاطفي والجسدي فتبقى أسيرة حبها وإخلاصها له ، إنها تقاوم رغبتها كما تقاوم محاولة اغتصاب سالفادور لها ، ولكن الفأر المخبئ يظهر وينتفض لكرامته محاولاً تخليص زوجته من ذلك الوحش ولدى افتضاح أمره وبأنه حي يرزق يقفز من النافذة منتحراً ليتحول هذا الانتحار إلى حجر رحى في رقبة سالفادور لشعوره أنه يتحمل مسؤولية موته ، ولم تجد ألينا حينها سبيلاً إلا الابتعاد إلى القرية حيث تقطن قريبتها .
لقد دخل المخرج في فيلمه إلى عمق المفهوم الكنسي فيما يتعلق بالاعتراف كفعل تطهير لجأ إليه سلفادرو في بادية الفيلم عندما انتقل من حالة الجندي الذي يحمل السلاح إلى حالة الشماس الذي ينتظر ترقيته ليصبح كاهناً ، كما ظهر في نهاية الفيلم عندما عاد وارتدى ثياب الجندي وهو في كلتا الحالتين كان يشعر أنه مركز سلطة فلعب على وتر سلطة الجيش وسلطة الدين . ومما لا شك فيه أن المخرج كيوردا استطاع الولوج إلى مرحلة تاريخية هامة من خلال رصد نبض الناس البسطاء ومحاولتهم للتحرر من الظلم فقدم رؤيا قد تكون مأساوية إلا أنها تعكس بشيء من الألم واقع أدانه عبر كل مفصل من مفاصل فيلمه .
|