بتعهداتها حول دعم المعارضة ممثلة بما يسمى «الائتلاف الوطني» من جهة أخرى. فابيوس الذي توسط في مؤتمره الصحفي نائبي رئيس الائتلاف سهير الأتاسي ورياض سيف (في ظل تساؤلات حول غياب رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب) ، أعلن أنه : (لنكن واضحين في مواجهة انهيار دولة ومجتمع هناك خطر أن يستولي على الأمر مجموعات متطرفة، لا ينبغي أن ندع ما بدأ ثورة واحتجاجاً سليماً ديمقراطياً أن يتحول إلى مواجهات بين ميلشيات ، على الائتلاف أن يثبت للسوريين أنه إلى جانبهم ويلبي حاجاتهم). داعياً ممثلي الدول الخمسين المشاركين في لقاء باريس إلى زيادة دعمهم للائتلاف، للمساهمة في نجاح مهمته وإضعاف القوى الأصولية المتطرفة المسلحة، التي باتت تمثل طرفاً قوياً في معادلة الأحداث الجارية في سورية .
فرنسا التي تمارس الازدواجية من خلال حربها العسكرية المباشرة ضد الأصوليين في شمال مالي (دون قرار دولي صادر عن مجلس الأمن الدولي)، لم يصل موقفها بعد إلى قطع العلاقات مع المجموعات المسلحة السورية ، أو إدراج بعضها وخاصة «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الإرهابية، كما أعلنت ذلك «نظرياً»الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل ، لا بل يشير العديد من المراقبين إلى استمرار تقديم الدعم المادي واللوجستي الفرنسي للعديد من هذه المجموعات المسلحة على اختلاف توجهاتها تؤدي عملياً إلى تقوية دور هذه المجموعات المسلحة على حساب أطراف «الائتلاف « وقوى المعارضة الخارجية المرتبطة .
هذا في الوقت الذي كثرت فيه تصريحات العديد من الرسميين الفرنسيين حول التبدل في الأجندة الفرنسية ، حول التعامل مع»المتغيرات « الجارية في المنطقة، وتراجع موقع الملف السوري من الصدارة إلى موقع ليس أولياً في هذه الأجندة . وبالتالي زيادة الاهتمام الفرنسي بالتطورات في شمالي مالي ، وتالياً شمال القارة الأفريقية من جهة ، والإقرار بصمود الوضع السوري بعد نحو عامين على بدء الأزمة في سورية من جهة ثانية . فضلاً عن استمرار التباينات والتناقضات في صفوف «المعارضات» السورية وبضمنها الخارجية المرتبطة، وعدم قدرتها على التوصل عملياً إلى خطوات تنسيقية من شأنها توحيد جهودها والمساهمة في زيادة فعاليتها.
نشير هنا إلى مطالبة جورج صبرا عضو الائتلاف في باريس حول ضرورة تقديم مساعدة عاجلة تقدر بخمسمئة مليون دولار للتمكن من تشكيل حكومة معارضة في المنفى ، وأسلحة متطورة وإقراره بأن التعهدات «الدولية» لا زالت تندرج في إطار الوعود فقط. كما أنه لا بد من الإشارة هنا إلى عدد من المسائل منها:
- عدم تنفيذ الدول المشاركة «أصدقاء سورية» في مؤتمري مراكش والدوحة بوعودها المالية ، (نستثني هنا قطر والسعودية وتركيا أيضاً) .
- تناقص عدد الدول المشاركة في لقاء باريس إلى خمسين دولة ، مقارنة باللقاءات والاجتماعات «الدولية» السابقة وانخفاض مستوى التمثيل إلى ممثلين عن وزارات خارجية هذه الدول .
- غياب معاذ الخطيب كذلك الوجوه الإسلاموية من المجلس الوطني ومن الائتلاف عن اجتماع باريس.
بقي أن نشير إلى أن لقاء باريس يأتي بعد لقاء الدوحة ، وتالياً التباين في المواقف الإقليمية و «الدولية» ، وقبيل القمة الروسية – الأمريكية التي ستمثل الأزمة في سورية أحد عناصرها . كما علينا أن نشير إلى أن هذا اللقاء يأتي بعد أيام قليلة على اجتماع جنيف لقوى المعارضة الداخلية (هيئة التنسيق ، تيار بناء الدولة...إلخ) وإعلان المعارض هيثم مناع في ختام أعمال لقاء جنيف وللمرة الأولى ، حول ضرورة الحوار بين الحكومة والمعارضة (يحتاج هذا إلى بحث خاص). كذلك إعلان أحمد معاذ الخطيب حول ضرورة الحوار بين النظام السوري والمعارضة (رغم اعتبار «الآخرين» تصريحه بأنه موقفً شخصي) .
ورفضه من قبل القوى الإسلاموية والمتطرفة في المجلس الوطني والائتلاف في القاهرة قبل أيام قليلة ، والتشديد على التزامها بإعلان الدوحة حول رفض مبدأ الحوار والحل السياسي مع دمشق.
ما بين تباينات «المعارضات» على اختلاف توجهاتها ، والخطوات الأولية غير «المكتملة» لعدد من أطرافها وتراجع الاهتمام «الدولي» بالملف السوري تطورات عديدة أبرزها استمرار الفرز الدولي ، واتساع دائرة الدول والقوى المطالبة بالحوار والحل السياسي ورفض التدخل العسكري في الشؤون السورية. كذلك استمرار الصمود السوري بعد نحو عامين على بدء الأزمة السورية، واتساع دائرة التأييد الشعبي للحفاظ على سورية وطناً ودولة ، المترافق مع ازدياد الرفض الشعبي السوري أيضاً الواضح لمحاولات تكرار ما يسمى ثورات الربيع العربي» في سورية ، والإصرار على الحفاظ على سورية وطناً وكياناً ومبدأ الحوار والحل السياسي ، وبخاصة بعد الخطاب التاريخي الأخير للسيد الرئيس الأسد وما تضمنه من عناصر تؤكد حرص سورية على الحوار والحل السياسي والإصلاح والتغيير الديمقراطي الحقيقي السوري.
باحث في الشؤون الدولية