«أرمن دمشق» للدكتور سركيس بورنزسيان من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب للعام 2016 يجول فيها الكاتب في محطات من حياة الأرمن في دمشق ونشاطاتهم في مجالات الحياة كافة الفنية والثقافية والاجتماعية والمهنية وبصمتهم المتميزة في اندماجهم في النسيج الدمشقي حتى أصبحوا قطعة من قطع موزاييكه.
يقول الكاتب: إن الوجود الأرمني في دمشق لم يكن عابرا أو مصادفة، إنما له جذور موغلة في التاريخ، صحيح أن عدد الدمشقيين الأرمن صغير نسبيا، لكن أرمن دمشق عوضوا عن هذا النقص العددي ببناء تركيبة خاصة للإنسان الأرمني الدمشقي، ترتكز على دمج مكونات الشخصية الأرمنية من حب العمل والالتزام به بالإضافة الى الصدق والجدية والصبر والإصرار والتنظيم مع مكونات البيئة الدمشقية المحيطة من وسطية فكرية معتدلة ومرونة في التعامل التجاري ودماثة ديبلوماسية وتوازن في العلاقات الاجتماعية.
واستطاع الأرمن أن يصنعوا لوجودهم معنى في دمشق خلافا لمنطق وجود الأقليات في العالم، فانتشروا في كل أحياء دمشق وخالطوا كل أطياف المجتمع الدمشقي، ورغم هذا الانفتاح غير المحدود حافظ الأرمن على خصوصيتهم كشعب له تقاليده وعاداته وصفاته العريقة، وما نظر الدمشقيون الى الأرمن إلا نظرتهم الى أبناء الوطن الواحد.
قسم الكتاب الى سبعة أبواب تخصص كل باب في جانب من جوانب الحياة الأرمنية في دمشق، فالباب الأول يتحدث بداية عن الوجود التاريخي للأرمن في دمشق والعلاقات بين أرمينية وسورية في شرق المتوسط، وهجرات الأرمن الى سورية، فقد كانت سورية وعبر العصور ملاذا آمنا للأرمن هاجروا اليها عند تعرضهم للمحن حيث وجدوا الاستقرار والأمان.
وعرض الباب الثاني للطوائف الأرمنية في دمشق ويعتقد أن أول كنيسة أرمنية في دمشق تأسست العام 1450 في منطقة باب شرقي وعلى سور دمشق وتعرف باسم كنيسة القديس سركيس، والذي تحول مع الزمن الى دير القديس سركيس.
واحتلت الحياة الثقافية لأرمن دمشق مساحة واسعة من اهتمام المؤلف فقد توقف خلالها عند نشاط الجمعيات الثقافية الأرمنية، وبعد الحرب العالمية الأولى وإثر ازدياد الأرمن بنسبة كبيرة ظهر عدد من الكتاب الأرمن ممن لهم نشاط أدبي باللغة الأرمنية، وبعضهم وصل الى مراتب أدبية متقدمة من أشهرهم «موشيغ إشخان» حيث قام بنشر عدد من القصائد والروايات يصف فيها حياته في مدينة دمشق، ونشط عدد من أرمن دمشق في مجال الترجمة والعلم ومن أبرزهم الأب «ساهاك كشيشيان اليسوعي»، والدكتورة نورا أريسيان عضو مجلس الشعب السوري 2016 محاضرة في كلية الآداب في دمشق ومنسقة قسم اللغة الأرمنية في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق، وعضو اتحاد الكتاب العرب وهي أول عضو نسائي أرمني في الاتحاد ورئيسة جمعية الترجمة في الاتحاد.كما أسهم عدد من أرمن دمشق في الإعلام المرئي والمسموع نذكر منهم: «مهران يوسف خضرليان، فاهه تمزجيان، منى كردي، لينا شالجيان، يرادو كريكوريان، ماريا كيومجيان..»
كما أسهم الأرمن في الحركة الموسيقية في دمشق من خلال المدرسين الأرمن في المعهد العربي للموسيقا والمعاهد الموسيقية الأخرى عبر جمعياتهم الثقافية والفنية نذكر منهم إميل وسليم وشادي سروة، والمطربة ربى الجمال، فاهه ديمرجيان والمايسترو ميساك باغبودريان والمايسترو الدكتورة أرمينوهي سيمونيان وهي أول امرأة قائدة أوركسترا في سورية والوطن العربي ومازالت، وهي الوحيدة حتى الآن التي تحمل شهادتي الماجستير والدكتوراه في هذا الاختصاص النادر.
ولم يغفل الكاتب دور الصناعات والمهن التي اشتهر بها أرمن دمشق، وخصوصا صناعة الأحذية والنسيج والصناعات الغذائية، إضافة الى البصريات والميكانيك والتصوير الضوئي. كما أفرد بابا لبعض أعلام أرمن دمشق من مثل أديب اسحق وحبيب السيوفي والزعيم بدر الدين الجالي الأرمني منفذ مصر الفاطمية.
يقع الكتاب في 116 صفحة من القطع الكبير وهو غني بالمعلومات التاريخية والحالية لوجود الأرمن في دمشق ويستحق أن يكون مرجعا هاما لأنه يوثق تفاصيل كثيرة عن الحياة الاجتماعية والثقافية والنشاطات والمهن التي تميز بها الأرمن، ووثق الكاتب فهرسا للأعلام في نهاية الكتاب حسب الترتيب الهجائي.