وتبرعوا لجمعيات الرفق بالحيوان في بريطانيا، وانعموا بالملايين على بنات الليل في الاقبية الباريسية واللندنية, وشربوا وثملوا، عربدوا حتى ضجت الازقة والشوارع بعربدتهم، وطفح الكيل، كل شيء مباح ما دام المال يغدق عليهم من غير حساب، فلا يهم ان مات ملايين الاطفال جوعا ومرضا وحاجة وعوزا، ولاشيء يمنع ان تسبح مدنهم بروثهم حين تهطل الامطار غزيرة، لانهم لم يفكروا يوما ما بشيء حضاري.
هذا الذل والهوان والانغماس بالملذات والمذلات، لابد له من غطاء يستره، ولابد من شراء الاقلام والمنابر، وثمة من هو جاهز لان يبيع نفسه بابخس ثمن، دولارات قليلة، ولكل قلم مأجور ثمن، وكل محطة فضائية حساب يرسل المعلوم لزوم التغيير المطلوب، وثمة اذلاء خانعون، يستجدون صندوق الخليفة المهراق، وحاكم بيت ماله.
وكل صباح ومساء، تنهال الاقلام مسبحة بحمده ومجده، يغردون هنا وهناك، يكتبون وينشرون بالحبر المدنس، والكلمة النشاز، ونعرف انهم غارقون حتى القاع بالمال الحرام، ولكن ثمة من اخذ برأيهم، وسمع لهم، وهو يعرف انهم ليسوا اكثر من ابواق مدفوعة الاجر، وكلما زاد النعيق زادت كمية المال المدفوع، هي لعبة الاعلام الخليجي الذي امتدت اكياس ماله في اتجاهات عديدة.
لم نكن ننتظر وثائق ويكليكس لنقتنع بصحة ما يقال ويروى، فهو لم يات بجديد ابدا، ولكن على عادة العرب، وجريا معهم، ان كل فرنجي برنجي، اتى التوثيق من حيث يصدقون، كتبنا مرات ومرات، عن المال الاسود، وعن حملة حقائب الدولارات الباحثين عن الاقلام الماجورة المستعدة لاي صفقة بيع مهما كانت صغيرة ام كبيرة.
بيع وشراء على عتبات السلطان الخائف المذعور من ليل اثامه، وغير القادر على العودة الى وعيه ورشده لانه ذهب بعيدا في غيه وضلاله، اكثر من نصف مليون وثيقة تتعلق بمهلكة آل سعود سوف ينشرها ويكليكس، وبغض النظر عن الغايات والدوافع والاهداف والتوقيت، فان الامر ليس عاديا ابدا، وان لم يكن يقصد فهو يصب من حيث الكثير من المعطيات، في تصديق رسالتنا الاعلامية السورية النقية التي لم تتاجر، ولم تهادن، لم يبع اعلاميوها ولم يشتروا، تجربة اعلامية يجلدها الكثيرون، ويرددون كما الببغاوات ما يريده الآخرون، لا لشيء الا لاضعافها، واسكاتها، الاعلام السوري الذي اثبت انه يواجه امبراطوريات المال والتقنيات الهائلة, والخبرات المشتراة من كل حدب وصوب، اعلامنا بمختلف الوانه وصنوفه، هو نقطة تحول حقيقية في النظريات الاعلامية، وهو الكاشف لفضائح وعورات الذين يدعون حرية الاعلام والكلمة، وبالوقت نفسه هم من باع اول مباديء الحرية الاعلامية، وكان مأجورا للمال السعودي وقلما طيعا في خدمة ملذات بني سعود وممالك الخليج.
البغاث المستنسر
ولايمكن للمرء ان يستثني اعلاما خليجيا من هذه الحال، الا ما ندر، وربما قد لايندر، فهذا السخاء الذي يجعلك تشكك بكل شيء يدلل على حجم الفساد الذي يجهد هؤلاء الاعراب على ستره، ويدلل على حاجتهم الماسة لشراء من يبيض صفحاتهم، ويضرب بسيوفهم،ويرفع صورهم وشعاراتهم، ولربما يقول احد ما ان هذا عمل خبراء محترفين، وهكذا تفعل الامبراطوريات الاعلامية، وهكذا يوظف الاعلام لخدمة اهداف مختلفة، كما تفعل الصهيونية العالمية، نعم هذا صحيح للوهلة الاولى،من حيث الشكل، لكن من حيث الجوهر، فثمة غباء لاحدود له في هذا العمل، اذ تشير الوثائق الى ان المال السعودي محمول ومبذول لشراء أي وسيلة اعلامية مهما كانت صغيرة، وفي أي بلد مهما كان بعيدا، وكانت مكانته متواضعة، وكان اعلامه غير معروف، وبالتالي فان اتساع هذه الرقعة من الفساد، والضخ الهائل والتزييف المكشوف جعل كل شيء مفضوحا.
واذا ما اسقطنا الامر على الحرب الدائرة على سورية بتمويل سعودي، فاننا نرى العجب العجاب وربما نقول: ان البغاث بارضنا يستنسر (يصبح نسرا) فعلى سبيل المثال، لاالحصر اعرف شخصيا عدة اسماء بعضهم لم يكن ليجيد فك الحرف، يعمل بائع كتب على الارصفة، يتصدق عليه بعض زملائه بشراء كتاب او مجلة من اجل لقمة عيشه و تفاجأ به بعد فترة وقد اصبح كاتبا سوريا، هكذا يقدم في صحيفة الحياة، لن تفهم حرفا مما كتبه، لكنه غمس حبره وقلمه ودنس ضميره بالاساءة لوطنه، مقابل مئة دولار، وقس على ذلك.
في بازار الاسترخاص الاعلامي البيع يتساوى بين من يعرف فك الحرف، ومن يحمل اعلى الشهادات العلمية لكنه ارتهن نفسه للبيع، فكلاهما في سوق النخاسة معروضان، وكلاهما يستعملان لحين من الزمن، قد يكون طويلا او قصيرا، قد يستعملون مرات ومرات، ولربما مع اول استعمال الى مكب النفايات الاعلامية.
في الاعلام السعودي والخليجي ستجد مي شدياق وجعجع وكعكي وآخرين كثيرين وهم اذلاء يستجدون المال سرا وصاغرين على ابواب من لايعرف حرفا من الابجديات، وعلى المحطات تراهم كما الطواويس يصولون ويجولون، ينظرون هنا وهناك، بمقدار المال الفاسد يكون الموقف المطلوب مشحوذ الهمة.
مفارقة
شاء ويكليكس ام لم يشأ فقد اعطى الاعلام السوري،والشعب السوري، ولسنا بحاجته، مصداقية نعرفها وهم يعرفونها، فالضخ الهائل من الاعلام المأجور الذي استهدف ومازال سورية، مدفوع الاجر، بدءا من شهود العيان الى لقاءات وحوارات وبرامج اعدت وخصصت لمثل هذه الاحوال من زمن، ضخ اعلامي متسلح بالمال والخبراء والتقنيات، وكل ما يخطر على بالك، مع محاولة اسكات الاعلام السوري عبر استهدافه بكل الوسائل، ومع ذلك ينجح الاعلام السوري بمصداقيته،على الرغم مما يحيق به من ظلم ذوي القربى، وكأنني ببيت المتنبي مخاطبا سيف الدولة ينطبق علينا:
وسوى الروم خلف ظهرك.. روم فعلى أي جانبيك تميل ؟
ولن يمضي زمن طويل حتى نجد مئات الدراسات الاعلامية تتناول الاعلام السوري وقدرته على المواجهة، وتحلل عوامل هذا الصمود، وتعمل على تحليل خطابه ومضمونه, وستكون الحقيقة مرة بالنسبة لهم، فالاعلام الذي تشتريه بالمال هو اعلام زائف مع اول موقف يتعرى ويسقط، قد تشتري التقنيات والوسائل والاقلام، لكنك لن تستطيع ان تمنح ما يضخه روح المصداقية، ولو استطعت التزييف مؤقتا، لكن الحقيقة اقوى، ومن هنا نقول بكل ثقة: ان من حق الاعلام السوري ان يسجل انه كان علامة فارقة في تاريخ الاعلام، وانه عرّى الاخرين وقد ظنوا انهم حبكوا كل شيء، وخلاصة القول: ما يباع ويشرى من اعلام هو سوق نخاسة، ولم يفلح الاعراب في صناعة شيء ابدا، الا اللهم في تبديد ثرواتهم واعادة تاريخ مسيلمة الكذاب، وكشف عورات الصغار ممن ارتضوا ان يكونوا ابواقا مأجورة لحين من الزمن، وبعد تحدثوننا باعجاب عن ذاك الاعلام ؟, الا ساء ما تفعلون....
d.hasan09@gmail.com