تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مماســــح الــــزفر وأحصنة الإرهاب

متابعات سياسية
الثلاثاء 8-12-2015
بقلم: عبد الرحمن غنيم

بات من الواضح تماماً الآن بعد الفعل العدواني الغبيّ الذي أقدمت عليه عصابة السفاح أردوغان باستهدافها للطائرة الروسية , أن تركيا والسعودية وقطر تعامَلُ عند الغرب المستَعْبَد بدوره للطاغوت الصهيوني على أنها « كباش للتضحية » أو حتى « مماسح للزفر » .

والدليل القاطع على هذه الحقيقة يتمثل في أننا نرى صحفاً غربية واسعة الانتشار تتهم هذه الدول برعاية الإرهاب , بينما لا نكاد نرى بالمقابل أصواتاً تحاول تبرئتها من هذه التهمة , وأما الأصوات الغربية التي تورد أسماء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل الى جانب « مماسح الزفر « كرعاة للإرهاب فتبقى محدودة للغاية واستثنائية تماماً .‏

قد يقالً بأن هذا التصوّر للواقع يصطدم مع الحقيقة القائلة بأنّ الغرب كله , ومن خلال الناتو , يحرص على تأكيد وقوفه الى جانب مماسح الزفر هذه , وخاصة تركيا , وتبرير سلوكياتها العدوانية , أو إضفاء الحماية الغربية عليها ولو لفظياً . وقد رأينا كيف حاولت واشنطن أن تتعامى عن دور تركيا في استقبال النفط الذي تسرقه داعش رغم الوثائق القاطعة التي أبرزتها روسيا . وهذا صحيح , ولكن من الصحيح أيضاً أن من يستخدم « مماسح الزفر » يهمّه أن يستثمرها حتى النهاية قبل أن يجد نفسه مضطراً الى إلقائها في سلال المهملات . وطالما أن « مماسح الزفر « تخدم خطط الطاغوت الصهيوني الذي يخضع الغرب لأهوائه , وتنوب عنه , فإن الغرب سيواصل استثمارها حتى النهاية.‏‏

إن حكم « مماسح الزفر » في الواقع لا يختلف عن حكم العصابات الإرهابية التكفيرية التي تتولى تصنيعها وتقديم الدعم لها , والتي يستغلها الغرب لصالح مخططاته , ولكنه يعلن في الوقت ذاته أنها عدوٌّ له لا مفرّ من محاربته والإجهاز عليه في نهاية المطاف !!. وهنا يوجد تناقض جدلي سافر بين تبنّي الشيء ونبذه , بين استثمار الشيء مع الإعداد والاستعداد لتقويضه متى انتهت الحاجة إليه , أو تركه يتفسّخ من تلقاء ذاته بقطع شرايين الحياة عنه بعد أن يؤدّي دوره كوباء قتال , خاصة إذا كان بوسعه حصر هذا الوباء ضمن حدود معينة .‏‏

إن فهم هذه الحقيقة لا يحتاج الى كثير من الجهد . فهذا هو الرئيس الفرنسي هولاند المطعون في قلب عاصمته باريس لوتيتيا السلتية في أصل التسمية يلتُّ بعد لقائه مع أوباما ويعجن قائلاً إنه طلب منه إقناع ممسحة الزفر أردوغان بإغلاق الحدود التركية أمام خروج الإرهابيين من سورية للعودة الى أوروبا , وكأن ما يعني هولاند الذي أسهم ألفا إرهابي من مواطني بلده على الأقل في الالتحاق بالإرهابيين في سوريا والعراق يتمثل في التخلص من هؤلاء ولكن بعد أن يمارسوا إرهابهم حتى الرمق الأخير ضد سورية , ثم إن هولاند لم يطلب من ممسحة الزفر التركية وقف تسلل الإرهابيين الى سورية عبر الأراضي التركية , باعتبار أنه مع هذا التسلل لا ضدّه .‏‏

إن هذا المنطق الذي يصرّ صاحبه على استثمار الإرهاب واستغلاله رغم الطعنات التي وجهها الإرهابيون لفرنسا يدلّ على أن الغرب لا يقف ضدّ الإرهاب من حيث المبدأ , وإنما يقف مع الإرهاب إذا استفاد من جرائمه وضدّه إذا ما تضرر هو من هذه الجرائم . فما يهمهم ليس القضاء على الإرهاب الذي يضرب في الشرق بل منع هذا الإرهاب من أن يضرب في الغرب أيضاً , وفي بلدانهم على وجه التحديد . بل إننا نستطيع الذهاب الى ما هو أبعد من هذا , وهو أن قادة الغرب المستثمرين للإرهابيين ورعاتهم كـ « مماسح زفر « لا يستبعدون أن تطال بلادهم لدغات الإرهاب , ولكنهم يعتبرون ذلك نوعاً من المخاطرة المحسوبة التي لا بد من تحمّلها في سياق استثمارهم للإرهاب . لكنه يتوجّب علينا أن نتخيّل سلوك هؤلاء لو حصلت المعجزة التي لا يتوقعها أحد , بل يرون أنها من المحال , وقام إرهابيون تكفيريون من صنائعهم بتوجيه ضربة موجعة للكيان الصهيوني !!.‏‏

إن الأمر المؤكد في هذه الحالة أن قادة الغرب لن يكتفوا بشنّ حرب شاملة على الإرهاب الذي ضرب بقرتهم المدنّسة إسرائيل , ولكنهم سيعمدون الى « مماسح الزفر « التي يستغلونها الآن ليلقوا بها وبصنائعها من الإرهابيين في الجحيم . ولكن بما أن فرضيّتنا في أن يذهب الإرهابيون لضرب إسرائيل تنتمي الى المستحيل , فإن الغرب لن يتخلى عن « مماسح الزمر « التي يستثمرها حتى ولو استهدف الإرهابيون عواصم الغرب نفسه . بل إننا لا نستطيع أن نفسر الانفجار الذي وقع مساء ذات اليوم الذي وجه فيه أردوغان طعنته الغادرة للطائرة الروسية , والذي وقع في المنطقة الصناعية في أنقرة , إلا على أساس أنه كان عملية مدبّرة من قبل مخابرات أردوغان للادعاء بأن فعلته الخسيسة لم تكن دعماً للإرهاب . فقد بات مثل هذا اللون من الألاعيب والأكاذيب بعض ملامح سلوك الغرب وعملائه . والتكتيك اللاأخلاقي الذي يطبق في أنقرة أو الرياض يمكن أن يطبقه قادة الغرب في عواصم الغرب ومدنه أيضاً كلما أحسّوا بأن الشبهات تشتد من حولهم .‏‏

إن الحماية التي يبسطها الغرب على « مماسح الزفر « التركية والسعودية والقطرية لا تعني بطبيعة الحال أن « مماسح الزفر « هذه لن تُحاسَبَ أو تُعاقَبَ على الدور الإجرامي الذي تقوم بأدائه في خدمة الغرب والصهاينة مهما طال أمد الصراع . وهذا الحساب لن يكون على أساس المنطق العبثي الذي حرص أوباما , وخاصة في أعقاب « غزوة باريس» على تكراره , وهو أنه سيجلب الإرهابيين ليحاسبهم أمام العدالة , وهو المنطق الذي يعني شيئاً واحداً وهو أنه لا يريد قتل الإرهابيين الذين يتفننون في قتل الآخرين الذين سلطهم عليهم !!. فنحن نعرف جيداً أنه على مدى عدة عقود من الحرب المزعومة على الإرهاب لم يمثل أمام المحاكم الأمريكية من الإرهابيين سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة , وبشرطين : أولهما أنهم يحملون الجنسية الأمريكية , وثانيهما ارتكاب جرائم ضد أميركا . وفيما عدا ذلك كانت أمريكا طوال الوقت , وتحت ذريعة سجن الإرهابيين , تحولهم من إرهابيين عاديين الى قادة للإرهاب , ثم تطلق سراحهم لتشكيل عصابات إرهابية .‏‏

إن السلوك الغربي القائم على استثمار الإرهاب في خدمة الطاغوت الصهيوني لم يتغيّر ولم يتبدّل حتى بعد الضربات الأخيرة التي وجهها الإرهاب للغرب ومنها العملية التي وقعت في كاليفورنيا الأمريكية وتبنتها داعش . والدليل القاطع هو تمسك الغرب بـ « مماسح الزفر « التي ترعى الإرهابيين وبسط حمايته المعلنة على جرائمها سواء كان صادقاً في ذلك أو كاذباً . وإن ما ذهب إليه الأمريكي , وما ذهب إليه أتباعه في الناتو , من محاولة تبرير الجريمة العدوانية التركية على الطائرة الروسية ومحاولة تبرئة تركيا من تهمة التعامل مع داعش , هو دليل قاطع على أن الغرب مصرٌّ على استثمار « ممسحة الزفر « الأردوغانية حتى وإن ترتب على ذلك إلحاق أكبر الأذى بتركيا ومصالح شعبها . وإذا كان الغرب يدّعي القدرة على بسط حمايته عليها , فإنه لن يكون قادراً على تعويضها عمّا سيلحقه بها سلوكها في خدمته وخدمة الصهاينة من خسائر . وهذا ما فهمه الأتراك بعد أن تبيّن لهم حجم الخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تلحق بهم من جراء سلوكياتهم العدوانية .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية