|
مغامرة أسامة غنم إضاءات مسرحية «الحيوانات الزجاجية»، تُرجم عنوانها إلى العربية بتسميات عدة (كما هو حال «عربة الرغبة» مسرحية «تنسي ويليامز» الشهيرة الثانية) منها: «هواية الحيوانات الزجاجية» و«مجموعة الحيوانات الزجاجية» و«الوحوش الزجاجية» و اكتفى الدكتور أسامة غنم بعنوان «زجاج»، مختزلاً إلى دلالة (الهشاشة) التي أرادها الكاتب من عنوان مسرحية هي واحدة من مجموعة تولى إخراجها المخرج الأميركي «إيليا كازان» واعتبر أنه «يمكن قراءتها على أنها سيرة ذاتية ضخمة للمؤلف»، وهو رأي محقُ للغاية يكتسب مصداقيته من تفاصيل السيرة الحياتية لـ «تنسي ويليامز» الذي نجح في تحويلها إلى إبداع فني. نجاح «تنسي ويليامز» لم يقتصر على ما سبق (أي تحويل واقع حياته الشخصية إلى إبداع فني)، وإنما حقق أهميته الكبرى في قدرته على تحويل الحالة الذاتية إلى حالة إنسانية عالمية تتخطى حدود التمايزات المحلية، وعلى هذا لم يبدُ خيار الدكتور غنم مستغرباً، فهو ينسجم مع جوهر توجهه كمسرحي سواءً في مجال العمل الإبداعي المباشر، أو في مجال التدريس والإعداد.أما الاستغراب من مدة العرض فمرده أكثر من سبب، منه اعتيادنا، وخاصة في الآونة الأخيرة، على العروض المسرحية التي تدور مددها في محيط الساعة وأجزائها، ومنه أيضاً أن النص في عروض عربية سابقة قُدم بأقل كثيراً من هذه المساحة الزمنية. ومنه أن النص بطبيعته يملك قدراً كبيراً من الكآبة يصعب تصور احتمال المشاهد لها وهي تمتد على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة. من المرجح أن هذه الملاحظات جميعاً كانت في ذهن الدكتور أسامة وهو يجهز لعرضه، وحين أقول عرضه فإني أعني ذلك تماماً، فهو لم يقم بإخراج نص «ويليامز»، وإنما قام باقتباسه وإعداده برؤية محلية معاصرة، لم تحفظ هيكله الأساسي فحسب، وإنما، وهذا الأهم، حفظت جوهره الإنساني، وجنبت نفسها الوقوع في فخ الآني والمباشر والاستهلاكي والطارئ. وبتصديه لمهمة إخراج نصه بنفسه نفى فكرة راودت بعضنا، وربطت بين المدة الطويلة للعرض، وبين الحرص التقليدي على تمسك الكاتب المسرحي بكل كلمة في نصه، فقد دل الإيقاع الرشيق للعرض، أن التشويق لا يرتبط بمدة العرض، وإنما بقدرة صنّاعه على شد انتباه المتفرج، وهذا ما فعله المعد و(المخرج) والممثلون.. وباقي فريق العمل.. وسيتفق الجميع ممن حضروا العرض، إن اختيار ممثليه، بدايةَ، ثم الأداء الرائع لمجموعهم، تالياً، كان واحداً من أهم أسباب نجاح العرض. فقد أدرك كل من سوسن أبو عفار وكنان حميدان ونانسي الخوري وجابر جوخدار خصوصية الشخصية التي أداها كل واحد منهم، وبالآن ذاته أفضل أسلوب لتقديمها بعيداً عن التكلف والمبالغة والتصنّع، فوجدنا على خشبة مسرح (سعد الله ونوس) أشخاصاً حقيقيين نكاد نعرفهم، لشدة مصداقية أدائهم. وبعد انتهاء الفصل الأول المفعم بالحيوية والسخرية الناعمة ظهر سؤال عما إذا كان المعد – المخرج سينجح في الحفاظ على إيقاع العرض الذي سيتجه في فصله الثاني نحو الإحباط وتكريس الانكسار. وجاء الجواب ليؤكد أن من استطاع أن يخلق التشويق عبر حسً (الفكاهة)، استطاع خلقه أيضاً عبر حس المأساة الإنسانية لحظة تحطم الأحلام.. هل أراد «تنسي ويليامز» من نص «الحيوانات الزجاجية» الحديث عن أثر الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي على العائلة الأميركية، وفي الجنوب خاصة؟ أم رغب بالسخرية من المظاهر الاجتماعية الزائفة؟.. أم أراد إدانة فكرة البحث عن الخلاص الفردي الأناني؟.. أو إدانة التناقض بين المشاعر الإنسانية المعلنة والمواقف الحقيقية للأشخاص ذاتهم؟..هي بعض من أسئلة طرحت منذ أول عرض للمسرحية، وأعاد عرض «زجاج» ليطرحها من جديد.. تاركاً للمشاهد: المشاركة في الأسئلة والأجوبة.. ونكهة عرض ممتع.. www.facebook.com/saad.alkassem
|