الأمر الذي جعل الإيرانيين يحرصون على عدم امتداح التقرير ويعتقدون أن من أهم نتائج الإعلان عن التقرير هو انه حوّل ملف «بي ام دي»، أي (بشأن احتمال انطواء الأنشطة النووية الإيرانية على أبعاد عسكرية) إلى جُملة من الادعاءات الزائفة، فضلا عن الأكاذيب التي ثبت بُطلانها بعد نحو 12 سنة من التجاذبات المتبادلة بين إيران من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، ورغم أن التقرير حظي باهتمام كبار المسؤولين الإيرانيين السياسيين والاختصاصيين لم يعتبروه سوى انه هو أفضل من التقرير الذي أصدر عام 2011 فقط و لا يعتبر تقريرا مثاليا وليس جيدا في كلياته، بل هو خطوة متقدمة على التقرير السابق لهذا المسؤول الأممي.
وقد برهن التقرير على أن برنامج طهران النووي يتماشى مع المواصفات التنموية السلمية، ما دحض كل المزاعم والافتراءات والشائعات التي أثيرت حوله في الماضي، والتي تحطمت على صخرة المواقف الإيرانية الحازمة والصادقة والجادة وتمسك الجمهورية الإيرانية بحقوقها المشروعة وثوابتها الوطنية العادلة، على الرغم من شدة الحملات وتوالي الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية المغرضة طيلة الأعوام المنصرمة.
كما انه من المتوقع أن يسفر اجتماع اللجنة المشتركة بين مساعد وزراء خارجية الجمهورية الإيرانية الدكتور عباس عراقجي ونظرائه بدول مجمومة 5+1 في فيينا عن التوافق على مسودة القرار التي ستعرضها دول المجموعة على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي تعتقد طهران انه ستتم المصادقة عليه بالإجماع وبدعم كامل من مجلس الحكام، باعتباره إجراء ضروريا ومدخلا إلى إسدال الستار على قضية «بي أم دي» في الوكالة.
وبالمجمل فأن أمانو قد أحال تقريره إلى «مجلس حكام الوكالة» والذي سيعقد اجتماعه يوم 14 كانون الاول الجاري، وسط تأكيدات بأن يتخذ قراره الصائب بإغلاق ملف الشكوك «بي أم دي» المثير للجدل، باعتبار أن اتخاذ هذا القرار يفترض به أن يمهد لتفعيل اتفاق فيينا النووي التاريخي بين الجمهورية الإيرانية ودول مجموعة 5+1 الذي أُبرم في 14 تموز 2015.
و في ضوء هذا الاتفاق المهم وقّعت إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خارطة طريق لـ «توضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر» فيما يخص البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإيرانية، في حين تتطلع الأنظار إلى أن يؤدي الاتفاق إلى رفع الحظر الاقتصادي الدولي على طهران، وإغلاق قضية (بي أم دي) ذات الأهداف الابتزازية إلى الأبد.
وهنا لابد من إثارة الملاحظات على الأمور التي تكتنف التقرير الأخير وهو انه وعلى الرغم من ايجابياته ووضوحه في جوانب، فإنه ما فتئ يراوح في مكانه في جوانب أخرى وسط استخدام عبارات ومصطلحات مبطنة ومطاطة يمكن تأويلها بأكثر من معنى وربما يمكن القول ان تقرير أمانو محكوم بأبجديات هذه السياسة شئنا أم أبينا ، بيد أن التميّز سيتمثل هنا في كيفية إجبار الدول الغربية على تلبية تطلعات إيران المحقة بعيدا عن الانخراط معها في مغامراتها الراهنة في الشرق الأوسط بحجة «محاربة الإرهاب» التي باتت موضة الموسم الاستكباري الراهن.