التحديات ومستقبل الاقتصاد العالمــــي «الصين نموذجــــــاً»
مساحة للرأي الاثنين 4-2-2013 بقلم د. قحطان السيوفي إن قراءة متأنية لتاريخ الاقتصاد العالمي يشير إلى صراع بين مدرستين فكريتين: الأولى المدرسة الليبرالية ، والأخرى المدرسة التجارية. المدرسة الأولى أصبحت, بشكل عام، المذهب الاقتصادي الأكثر انتشارا من خلال تماهيها بالتأكيد على ما يسمى روح المبادرة الخاصة، وحرية الأسواق...
المدرسة الثانية هي المذهب الاقتصادي التجاري الذي لايزال، رغم كل شيء، على قيد الحياة بل ومتجدد رغم الجاذبية، والأزمات التي عاشتها المدرسة الأولى. ويرى العديد من المحللين، نحن نشاركهم الرأي، أن الصراع بين المدرستين بوجهيهما المعاصر سيكون بمثابة قوة دافعة لصياغة مستقبل الاقتصاد العالمي. المذهب التجاري بوجهه التقليدي يعتبره أنصار الليبرالية مجموعة عتيقة من الأفكار حول السياسة الاقتصادية. أنصار المدرسة التجارية كانوا أشد أنصار الرأسمالية حماساً لكنهم طرحوا لاحقاً نموذجا مختلفاً عن الليبرالية، وطريقة أخرى لتنظيم العلاقة بين الدولة والاقتصاد. وهي رؤية حديثة مختلفة ومتباينة عن المفاهيم التقليدية المعروفة في القرن الثامن عشر.وتدعو للفصل بين الدولة والقطاع الخاص...أما المذهب الاقتصادي التجاري الحديث، فإنه يعرض رؤية قائمة على الشراكة. حيث تتعاون الدولة مع القطاع الخاص لتحقيق أهداف وطنية مشتركة في مقدمتها الاستفادة من الموارد والطاقات المحلية لتحقيق النمو الاقتصادي، وبما يعزز القوة الوطنية.
البعض يرى أن النموذج التجاري المعاصر لايعدو كونه نوعاً من رأسمالية الدولة، ولكن نجاح هذا النموذج بصيغته العصرية في آسيا على سبيل المثال، يحظى باهتمام عالمي من خلال التعاون بين الحكومة والشركات ودعم الدولة لقطاع الأعمال لذلك يمكن للاقتصادات النامية والفقيرة أن تفكر باعتماد المذهب الاقتصادي التجاري الحديث وسيلة للخروج من دوائر التخلف باتجاه النمو.الفرق بين النموذجين يكمن في تمييز مصالح المستهلك أو المنتج ؛ ففي نظر الليبراليين المستهلك هو الأصل لأن هدف السياسة الاقتصادية الليبرالية تتركز وتتلخص في زيادة قدرة الأسر على الاستهلاك، للوصول إلى السلع والخدمات بأقل ثمن ممكن. الصين من الناحية العملية هي النموذج المتألق والقائم على المفاهيم العصرية للمذهب التجاري رغم أن قادة الصين يتجنبون ذكر ذلك (ما زال قدر كبير من عدم الوضوح والرمادية يلتصق عادة بهذا المصطلح)... لأن المعجزة الاقتصادية الصينية كانت من الناحية العملية، نتاجاً دؤوباً للعمل ضمن برامج حكومية نشطة وقائمة على دعم وتحفيز المنتجات الصناعية المحلية والأجنبية وتقديم إعانات الدعم لها بشكل صريح...رغم أن الصين عملت وأعلنت بشكل أو بآخر على إلغاء تدريجي للعديد من إعانات الدعم الصريحة كشرط لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، ومع ذلك لايزال نظام دعم النزعة التجارية باقياً في الصين إلى حد كبير، وبخاصة ما يتعلق بإدارة أسعار الصرف ¸وبما يساعد على المحافظة على ربحية المصنعين..
وهذا أدى – كما هو معروف – إلى تراكم فائض تجاري كبير... المشهد الجيواقتصادي والسياسي العالمي يشير إلى إمكانية التعايش بين المفاهيم الحديثة للنموذجين؛ الليبرالي، والتجاري الحديث، خاصة في ضوء ما أظهرته الأزمة الاقتصادية العالمية الجالية من مساوئ وعيوب في النظام الليبرالي العالمي، واتساع الفجوة بين الناس , وما تتعرض له الطبقة المتوسطة في الغرب من معاناة اقتصادية، والدليل على ذلك الصورة القاتمة الحالية للاقتصاد الأمريكي، والأوروبي الغربي في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة. ونرى أن نجاح النموذج الاقتصادي الصيني مثال حي وواضح على نجاح المفهوم الحديث للنزعة التجارية من خلال تدخل الدولة الإيجابي والتشاركي لتحقيق التنمية الاقتصادية بآليات عصرية وواقعية.
|