تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فـــي «حيـــاة قلــم»..مـن كتـب ســيرة الآخــر «العقــاد» أم المِــدادْ ؟..

ثقافـــــــة
الاثنين 4-2-2013
 هفاف ميهوب

لاشكَّ أن أيّ كاتبٍ من كتَّابِ السيرة الذاتية, وسواء أفصح عن غايته من ترجمته لنفسه أم لم يفعل, لم ينطلق فيما سجَّله عن حياته إلا من بواعثٍ نفسية تتعلق بأحاسيسه وتفكيره وحدسه وشعوره,

وهي المحفِّزات التي ومثلما كانت من يُوجِّه الإنسان العادي في أفعاله, كانت أيضاً من يوجِّه المبدع ولكن, بما يستفزّه ويحرِّضه لكتابة تفاصيل ما مرَّ به عبر حياته وشهرته التي سببها أعماله..‏

إنه أدب السيرة الذاتية، الأدب الذي جعل كُثر ممن خاضوا فيه يمقتون الحياة التي عاشوها فدوَّنوها.. أيضاً, جعل كُثر يعشقونها كما عشقها «عباس محمود العقاد» الأديب والناقد والمؤرخ والشاعر الذي لم تؤثِّر عزلته أو حتى انطوائه، على نفسيته وكتاباته. تلك الكتابات التي أبى إلا أن يكون مسك ختامها  «حياة قلم».. سيرته الذاتية التي أوَّل ما دلَّ فيها, على أسباب عشقه للحياة ومن خلال قوله:‏

«كنتُ أحبُّ الحياة كعشيقةٍ تخدعني بزينتها الكاذبة وزينتها الصادقة, وأصبحتُ أحبها كزوجةٍ أعرف عيوبها وتعرف عيوبي.. لا أجهلُ ما تبديهِ من زينةٍ وما تُخفيهِ من قبحٍ».‏

هذا ما أورده «العقاد في حياة قلم».. الكتاب الذي اختاره كجزءٍ ثانٍ للمقالات التي كان قد كتبها قبل وفاته بشهرٍ والتي تميَّزت إلى جانبِ طابعها الشخصي, بالطابعِ الموضوعي, وبما ضمَّنها إياه من مواضيعٍ فكرية ونفسية وعلمية, امتزجت جميعها بما رواه عن حياته الشخصية.‏

هكذا أراد «العقاد» لسيرته أن تكون, وبعد أن بلغ السابعة والخمسين, وبدأ برسمِ الخطوط العريضة لحياته وتربيته ونشأته وأعماله, وضمن كتابٍ أصرَّ أن يكون فيه: «عباس محمود العقاد, الإنسان الذي يعرفه وحده, لا عباس محمود العقاد, كما يعرفه الناس أو كما خلقه الله»..‏

إذاً, هو يريد الإشارة إلى كلِّ ما يتعلق بحياته الشخصية, ومن ثمَّ إلى كلِّ ما يتعلَّق بحياته الاجتماعية والأدبية, وكذلك إلى معاركه الطويلة والشرسة مع الحياة التي لم يجد بداً من الاعتراف بأنه لم ينل منها كل ما يريد, ومن خلال قوله:‏

«لم أبلغ من الحياة كل ما أريد, ولا أرى أن أحداً بلغ منها ما طَلبْ, وإذا قدَّرتُ ما أصبو إليه مائه في المائة, فالذي بلغته لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين»..‏

بيدَ أنه, أي «العقاد» أراد من كتابة سيرته «حياة قلم», إيصال رسالةٍ إلى كل من يهمه أمره, بل إلى كلِّ من اتَّهمه وكان سبباً في سجنه. أراد إيصال رسالة يقول فيها: «لم أعرف لي مهنة في الحياة إلا صناعة القلم. الصناعة التي رسمت حياتي وفكري وعقلي, ومنذ نعومة أظفاري مروراً بما امتلكتُه من نفوذٍ في دنيا صاحبة الجلالة, وصولاً إلى العشرات من الكتب التي تحدَّثت فيها عن الدين والفن والأدب والنقد والفلسفة والحب»..‏

كل ذلك, جعل من «حياة قلم» حياة جديدة لإبداعٍ بدأه «العقاد» بولادة قلم.. القلم الذي لم يفارق أنامله, وبدءاً من اللحظة التي قرَّر فيها امتهان الأدب, وصولاً إلى اعترافات كثر من المبدعين الذين منهم عميد الأدب العربي «طه حسن» الذي بايعه بإمارة الشعر بعد «أحمد شوقي» و«حافظ ابراهيم» ليدعو بعدها الأدباء والشعراء بأن يستظلّوا بظله, وبعد أن رأى من أعماله ما أثار لديه مثلما لدى العديد من الأدباء والنقاد, الدهشة والعجب.‏

هذا هو «عباس محمود العقاد» الأديب الذي لا يسعُنا وبعد المكانةِ العالية التي حظي بها, وأيضاً, بعد الاطلاع على سيرته المليئة بالطموح والكفاح والمعاناة والصراعات, الشخصية والاجتماعية والفكرية والسياسية. لايسعُنا إلا أن نتساءل عما أرادنا هو أن نتساءل عنه, ومنه:‏

«يا تُرى, في «حياة قلم» من الذي كتب حياة الآخر.. «عباس محمود العقاد» أم المداد, مداد روحه التي أغدقت إبداعاً سببهُ صراعها الطويلُ والجميلُ مع الحياة والألم؟..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية