لديه قناعة تامة بوضعه المعيشي البسيط ، فهو مستقر بين جدران أربعة و سقف يحمل اسمه في طابو أو كاتب عدل ، بيت صغير و لكنه مطلي بلون دافئ و أرضه ثابتة ترد هجمات الزمن الغادر ..
راتبه يحقق له اكتفاء ذاتيا .. يترف و يبذخ في بعض المناسبات من راتبه بعمل إضافي ، يجري عمليات حسابية دورية لميزانيته ليطمئن جيبه فهو في أمان الحمد لله ، و لكن ثمة عاصفة لم تكن في حسبانه كغيره من شرائح اجتماعية ما دون الغنى و البحبوحة المادية.
لم يكن خياره أن يكون في عداد من هم مرضى نفسيون يحتاجون لتدخل عاجل يعيد دمجهم اجتماعيا، و دعمهم نفسيا و تقديم العلاج لهم ، و لكن الضغوط كانت أكبر من احتماله ، و فشلت طرق المواجهة كافة للثبات في وجه الاعصار .
أمام هذه الضغوط العملاقة ربما سيكون أكثرنا مصنفون كمرضى نفسيين ، لكن هناك دعما يتوجب توفره إلى جانب العلاج النفسي ، فذاك الذي فقد بيته و هدم مورد رزقه لن تفلح معه جرعات و جلسات العلاج النفسي ، ما لم يتم إعادة استقراره المكاني و أمانه المعيشي. الدعم النفسي لمرض تفشى في مجتمعنا إثر أزمة منذرا بخطورة أمراض نفسية معيقة عن العمل و الإندماج ، ينبغي أن يكون متكاملا فلا توازن نفسي في حضرة فقر و جنون أسعار سلع غذائية و استهلاكية، و إيجارات فلكية لمنازل مهجرين يعاملون كسياح ، و لا توازن نفسي لأجساد تعاني نقص تغذية و حرمان من دواء استعر ثمنه، لا سلام وأمان اجتماعي في حضرة جنون الدولار و انسحاب تكتيكي لراتب هارب يزداد نحولا و تقزما ، بينما يحل القلق و التوتر و الكثير من الإحباط و اليأس في نفوسنا ليجعلنا من عداد المرضى.. فهل من علاج فعال في خطط المعنيين ؟؟