تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نقش الحوريات وموبقات السلاطين

ثقافة
الاثنين 2-11-2015
ديب علي حسن

كانوا يقولون قديما: الليل اخفى واستر للعيوب، ولكن هل تبقى المخازي والمعاصي والموبقات التي ترتكب تحت جنح الظلام طي الكتمان، وان بقيت فإلى متى ؟ أليس الصبح مهما طال انتظاره بقادم وتحت اشعته تكشف تلك الخبايا، وتعلن ولو بعد حين ؟

امرؤ القيس الملك الضليل الذي خاطب الليل قائلا: الا ايها الليل الطويل ألا انجل بصبح، وما الاصباح منك بأمثل ؟‏

كأنه منذ الفي عام يقول: ليس الصباح الذي ننتظره بافضل من الليل الثابت الذي يتسمر مشدودا بحبال الى النجوم على قول شاعرجاهلي آخر، ولكن الحقيقة التي لابد منها مهما حاولنا ان نخفيها ان ثمة من يرصد الحركات والسكنات، والاحوال والاعمال لمن يعيشون حياة ثانية، ويقومون بسلوك آخر غير الذي هو في النهار، هناك من يكتب ويسجل ويراقب، ولابد ان يوما ما سيذاع السر مهما طوي، السلاطين العثمانيون اصحاب الموبقات جهارا نهارا، لم يكونوا خارج اطار هذه الحال ابدا، فالذين احتلوا الوطن العربي لاكثر من اربع مئة سنة، لهم عوالمهم وموبقاتهم، صالوا وجالوا، تاهوا في مواخير الليل وكانت لياليهم حافلة بكل الموبقات التي يشعر المرء بالخجل حين الحديث عنها، وهم حين يطلع الصبح يظهرون أئمة النسك والتقى، ولربما شعر الكثيرون حينها انهم فعلا من التقى بمكان.‏

لا آتي بجديد اذا ما تحدثنا عن موبقاتهم التي وثقت من قبل المؤرخين والباحثين وكانت وباء اخلاقيا لكل من هم تحت نير احتلالهم وتركت اثارها السيئة على المجتمعات هذه، سواء في العادات والتقاليد، وعدم الثقة الاجتماعية ما ادى انتشار ظواهر الريبة والشك حتى ضمن الاسرة الواحدة، من سلب الحرفيين المهرة من اوطانهم، واخذهم الى مدنه وعواصمه، لم يتورع عن فعل أي شيء ابدا من الموبقات مهما كانت شنيعة، السلوك الشاذ بكل شيء، وثمة اليوم من يرتمي باحضان اردوغان الذي لايكف عن المفاخرة بأنه سليل هؤلاء السلاطين، يتحدث عن الاسلام والقيم والمبادىء، وغير ذلك وإلى هؤلاء قراءة سريعة، في موبقات من يفاخرون بهم، ليست قراءتنا هذه من اختراعنا، ولا من وثائقنا ابدا انما هي كتاب صدر في الغرب، وجاء تحت عنوان:القسطنطينية، وهو من تأليف فيليب مانسيل، ترجمه الى العربية، وضمن سلسلة عالم المعرفة الدكتور: مصطفى محمد قاسم، من الجزء الاول الذي استغرق اكثر من 400صفحة من القطع المتوسط، نستل شيئا من الموبقات التي طفحت بها ليالي المدينة المذكورة، وهي ليال لم تكن فيما بعد للسلاطين وحدهم، بل لمحظياتهم ايضا، ومن معهن، ومن كان مقربا وذا حظوة، ونال من المال ما يكفي لممارسة الموبقات لانها كانت مدفوعة الثمن.‏

عصر الحريم والحمامات‏

يقول المؤلف: كان الحريم مدينة محرمة فمن الصعب التحقق من الحقائق حول حياة نزيلاته قبل التحاقهن به، والرغبة كانت وراء اتساع حجم الحريم، ذلك ان معظم السلاطين كانوا يرغبون في تنوع شريكات الجنس،، وكانت البيولوجيا السبب الثالث لنظام الحريم ذلك ان المحظيات على خلاف ابناء العشيقات المتزوجات كانوا يزيدون الاحتياطي العائلي، فعدد المحظيات كان يضمن دائما وجود وريث ذكر، ما جعل السلطان يحرص على النوم مع مزيد من الجواري، لكي يزداد نسله، وكان سليمان الشهواني جدا يتردد كثيرا على قصر الحريم وهو اول قصر بناه محمد الثاني في وسط القسطنطينية, وهناك كان يختلي بالحريم، وفي عهد السلاطين اتخذ الوزراء (ابراهيم باشا) رجالا كغلمان لهم، فقد اتخذ من الدبلوماسي التجاري الفرنسي الفيس غريتي محظيا له، وازدادت الامور سوءا مع مراد الثالث ففي عهده ابان العقد الثامن من القرن السادس عشر شهد الحريم، زيادة في حجمه المادي واهميته السياسية واعاد نزيلاته، كان الحريم يتألف من شبكة من الغرف والممرات: افنية النساء والخصيان والسلطانة الوالدة والاثيرات والمستشفى، وكانت الغرف الثلاث مئة الاخرى صغيرة جدا ربما لتسهيل عملية التدفئة، وكانت مزينة بابواب من المرمر واسقف من الارابيسك المذهب وبلاط ازنيق، وكانت بعض تجاويف النوافذ مزودة بنافورات للتغطية على المحادثات الخاصة بصوت الماء المتدفق.‏

نقش الحوريات‏

وعلى ما يبدو فان حلم الحوريات المرافق للدواعش ليس وليد اليوم ابدا، وهو من عهد السلاطين الذين اعطوه صبغة شرعية من خلال موبقاتهم واعلانه على الملأ، يقول المؤلف: ففوق المدخل الاساسي الى الحريم الى جانب الديوان يعلن نقش من عهد مراد الثالث انه المدخل الى حوريات الجنة اللاتي تسحر مفاتنهن الجنة نفسها، ونقشت على البلاط بالداخل جمل مثل: حفظ الله سلطان عثمان، وجعل هذا الباب دوما الباب الى انتصار الامبراطور، اجلس في صفاء ادامك الله امبراطورا للعالم، ولم تكن الحوريات وحدهن المرافقات للسلطان انما الخصيان كما يقول سفير البندقية، كانوا دائما حوله.‏

وفي القصر القديم والجديد ارتفعت اعداد النساء سريعا من مائة وسبع وستين عام 1552م الى مئتين واثنتين وستين عام 1574م ثم الى ثلاث مئة عام 1622م ثم الى تسع مئة وسبع وستين في العام 1652م بواقع ستة اضعاف في العدد، وارتفعت النفقات الى اضعاف ما كانت عليه، وقفز عدد الحريم عام 1870الى (809 ).‏

وكان وجود الخصيان لايقل اهمية عن النساء انفسهن ففي العام 1605 م كان في القصر 111خصيا، وكان السود يختطفون من السودان ويتم خصيهم لزيادة السعر، ومن ثم يشحنون الى السلاطين، ونشأ سوق للخصيان وسط القسطنطينية وكانوا يعطون اسماء رقيقة مثل: زنبق وزعفران وحسون، ويضيف المؤلف انه على مدار من العام 1574الى العام 1908 مثل الخصيان احد قوى الرجال في الامبراطورية، وكان رئيسهم يؤثر على السلطان والصدر الاعظم والمفتي وعلى مالية الحريم، وبحلول القرن السابع عشر على مالية المساجد الامبراطورية في القسطنطينية ايضا.‏

ويضيف احدهم قائلا: كانت سلطة رئيس الخصيان تمتد ابعد كثيرا من المدينة فكان يسيطر على اموال الاضرحة في مكة والمدينة ومن العام 1645م الى العام 1760في مدينة اثينا، وبلغ من الثراء بأحد رؤساء الخصيان السود إنه بنى ميناء جديدا على فم نهر الدانوب.‏

هي ليالي الاثم وما فيها من موبقات، وما جرته على السلاطين من قتل واقتتال بين الاخوة انفسهم، وكانت مكائد الحريم هي الشغل الشاغل للسلاطين، وفي الكتاب ما يجعلنا نقول ان مايفعله الداعشيون الان ليس عملا بسيطا امام موبقات السلاطين، وهو بالواقع استمرار لموبقاتهم، ويستمد عمله اللا اخلاقي منهم، فاردوغان السلطان التائه هو من بنى قصرا جديدا يعيد ليالي الابقين، وهو الذي يرعى داعش، ويمدها باسباب الوجود، الكتاب كما اسلفنا يؤرخ لتلك المخازي والليالي التي لم تترك فجورا الا وارتكبته، ومن الليل تحول جهراالى النهار ليصبح سلوكا يتنافس فيه السلاطين والامراء، ومن معهم.‏

d.hasan09@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية