وتأكيداً على عمق الانتماء الوطني الأصيل, للوطن الأم سورية, فإن جماهير الجولان السوري المحتل, تحيي هذه المناسبة وفق برنامج يليق بها حيث تنطلق المسيرات الجماهيرية النضالية صباحاً في ساحات قرى الجولان وصولاً إلى ساحة المجاهد الكبير سلطان الاطرش.
ففي كل عام يحيي أهلنا في الجولان المحتل ذكرى الاضراب الكبير الذي استمر من شباط ولغاية تموز عام 1982 احتجاجاً ورفضاً لقانون ضم الجولان عام 1981. وفي كل عام تتجمع وفود القرى العربية السورية المحتلة ووفود فلسطينية من أهلنا في مناطق العام 1948 في ساحة مجدل شمس وتسير في تظاهرة كبيرة إلى خط وقف إطلاق النار تتقدمهم الإعلام الوطنية السورية، وتعلو فيها الشعارات والهتافات الوطنية التي تندد بقرار الكيان الارهابي الصهيوني بضم الجولان وتؤكد على حتمية التحرير والعودة إلى حضن الوطن الأم سورية. وفي كل عام تصدر الفعاليات في الجولان المحتل بيانات تؤكد أن أبناء الجولان المحتل ومن خلال تجربتهم في مواجهة المحتل , وخصوصا في مرحلة الإضراب المجيد, وما سبقه وما تلاه من مواجهات خاضوها دفاعاً عن صمودهم وانتمائهم وما حققه من انتصارات, رغم قلة العدد والعدة أمام عدو يمتلك كل أدوات البطش والتنكيل أن الوحدة الوطنية لكل شرائح المجتمع المرتكزة على الوثيقة الوطنية الخالدة والنابذة لكل مثيري التشرذم والفتنة هي الضمان الوحيد لرد كيد المعتدي لنحره، وأن يبقى قرار ضمه المشؤوم حبراً على ورق يجرفه فجر التحرير الآتي لا محالة.
وأبناء الجولان المحتل كما هم دائما يخاطبون اهلهم في الوطن الام قائلين: أيها الأهل في سورية الحبيبة نعيش في هذه المرحلة إثباتات قاطعة لصواب موقف من راهن ويراهن على قدرة شعوبنا على تحقيق النصر وهزيمة المستعمرين مهما امتلكوا من إمكانات ومن دعم قوى غاشمة، وأن ليل الاحتلال زائل مهما طال وتباشير فجر الحرية بدأت .
يحق لنا نحن العرب السوريين القابعين تحت الاحتلال التفاخر أننا كنا وما زلنا جزءاً أساسياً فاعلاً من هذه التضحيات وما أدت إليه من انتصارات بدأت بالتحقيق اثر مرحلة علا فيها نعيق غربان الهزيمة والمذلة من خلال انخراطهم بالمشروع الصهيو امريكي التآمري على اهلنا في الوطن الأم من خلال الحرب الكونية التي تشنها الصهيونية وأدواتها على أبناء شعبنا في سورية الصامدة أمام كل التحديات، أبناء شعبنا الذين يتصدون للهجمة الكونية التي قادتها الصهيونية بالتعاون مع آل سعود وقطر وتركيا والغرب المتصهين وأمريكا لكن صمود شعبنا والتفافه خلف جيشنا البطل الجيش العربي السوري صانع الانتصارات.ووجود قيادة حكيمة شجاعة لابد أن يكون النصر المؤزر على تلك المجموعات التكفيرية الوهابية المجرمة، هذه العصابات التي تتلقى كل الدعم من عصابات الكيان الإرهابي الصهيوني.
إن أبناء الجولان يحق لهم التفاخر أنهم من أوائل الذين وقفوا دفاعاً عن كرامة الإنسان وطهارة الأرض منذ أن وطئت أقدام الاحتلال الدنسة أرض الجولان.
يحق لنا أن نفاخر أن وطننا سورية شكل ويشكل قلعة الصمود الأخيرة التي تكسرت على أسوارها أمواج هذا الطوفان الاستعماري على مر التاريخ مدعوماً من أدوات الذل من أنظمة الاعتلال العربي.
ونشير هنا إلى كيف بدأ الاضراب الذي اعلنه أهلنا في الجولان المحتل ففوق النهج التوسعي للكيان الارهابي الصهيوني قام بإصدار قرار ضم الجولان في 14 / 12 / 1981، في متابعة لما بدأه منذ اليوم الأول للاحتلال عام 1967 ومازال مستمرًا وقد طبقت سلطات الاحتلال توسعها في أرض الجولان المحتل كلها، وبضمنها القرى العربية السورية الباقية في شمالي الجولان، وهي خمس قرى.
ويطول شرح إجراءات الاحتلال، ولكن من عناوينها نذكر: مصادرة الأراضي والمياه، الاستيطان، فرض الغرامات والضرائب الباهظة على السكان، إلغاء الإدارة السورية، إلغاء منهاج التعليم السوري، منع استخدام السكان لهويتهم العربية السورية، ومحاولة فرض الجنسية والهوية الإسرائيلية عليهم، الهدف الأول من قرار الضم، الذي رفضه مواطنوننا في وقفة بطولية شجاعة، هي (الإضراب الوطني الكبير) عام 1982، هذه الوقفة هي التي نستعيدها اليوم بالاعتزاز والتقدير.
حاول الاحتلال- بعد أن احتل الأرض- أن يسيطر على السكان الباقين، واستخدم أساليب الترغيب والإغراءات، التي ازدراها مواطنوننا في الجولان وأفشلوها، فلجأ إلى أساليب القمع المتعددة، التي واجهها أهلنا بشجاعة، وقدموا في سبيل وطنهم تضحيات كثيرة وأولها الشهداء، وكذلك الأسرى الذين لم تخلُ منهم سجون الاحتلال أبداً، وبأعداد كبيرة، والإقامات الجبرية والغرامات المالية.. وغير ذلك.
وأمام ضغوط الاحتلال الكبيرة على مواطنينا وقفوا كلهم وقفة موحدة شجاعة، وأعلنوا في اجتماع حاشد لهم في مجدل شمس في 25/3/1981 موقفاً وطنياً سجلوه في (الوثيقة الوطنية) التي جعلوها دستوراً نضالياً لهم، والتي تؤكد ثوابتهم الوطنية، في عروبة الجولان، وأنه جزء لا يتجزأ من وطنهم الأم سورية، ورفضهم للاحتلال وإجراءاته وإصرارهم على مقاومته حتى يزول.
وفور إعلان قرار الضم أعلن مواطنوننا رفضهم القاطع له، وأعلنوا إضراباً احتجاجياً لمدة ثلاثة أيام، واعتبروا يوم الضم (14/12/1981) يوماً أسود، تستعاد ذكراه بالحداد كل عام، وصمموا على استمرار مقاومتهم.
أعلن مجلس الأمن الدولي في اجتماع عُقد بناء على طلب سورية، رفضه لهذا الإجراء التوسعي وعدّه لاغياً، وذلك في قراره رقم 497 تاريخ 17/12/1981، وكذلك فعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ذلك. ولكن إسرائيل - كالعادة- رمت هذه القرارات في سلة المهملات، مستندة على عنجهية القوة والدعم الأمريكي لها.
وزادت سلطات الاحتلال في إجراءاتها القمعية، واعتقلت مجموعة من مواطني الجولان، وصعّدت قمعها، وأصرت على تطبيق قرار الضم.
أمام هذا التحدي المصيري، وقف مواطنوننا في الجولان وقفة شجاعة حازمة، فعقدوا اجتماعاً جماهيرياً حاشداً في 13/2/1982 أعلنوا فيه (الإضراب العام المفتوح) رفضاً للاحتلال وإجراءاته، ومنها قرار الضم، وتمسكاً بانتمائهم العربي السوري أرضاً وهوية ومطالبة بإنهاء الإجراءات القمعية وإطلاق سراح المعتقلين، وأصدروا بياناً بالإضراب بعنوان (الدعم كل الدعم للجولان المحتل) قائلين فيه: (نحن نقف بصلابة في سبيل كرامتنا وأخلاقنا الوطنية غير القابلة لأي تغيير أو تبديل، ونرفض الذل والتخاذل، ولذلك اتخذنا قرارنا بالإضراب العام والمفتوح حتى نحقق مطالبنا).
ونُفّذ الإضراب تنفيذاً شاملاً في قرى (مجدل شمس، مسعدة، بقعاتا، عين قنية)، وشمل نواحي الحياة جميعها، وامتنع الجميع عن أداء أعمالهم في القرى والحقول، وأُغلقت المصالح والمحال التجارية.. بعد 12 يوماً من الإضراب العظيم، فرضت سلطات الاحتلال في 25/2/1982 الحصار العسكري الشامل على القرى الأربع المضربة، بهدف خنق السكان وكسر إرادتهم ومحاولة إنهاء الإضراب، فمنعت التواصل بين القرى، وقلصت كمية المياه الواصلة إليها، وزادت الاعتقالات، وحجزت المواشي واعتقلت عدداً من الرعاة بينهم نساء، ومنعت وصول المواد الغذائية إلى السكان، وقطعت إمداد المحروقات رغم فصل الشتاء البارد، وأحرقت مزرعة أبقار في مجدل شمس، لأن صاحبها كان يوزع الحليب على أطفال القرية، فهب الأهالي لإطفاء الحريق، وتحول الموقف إلى تظاهرة جماهيرية ليلية حاشدة ضد الاحتلال وممارساته القمعية المتنوعة.
أمام فشل سياسة القمع، لجأ الاحتلال إلى محاولة فرض الهوية الإسرائيلية بالقوة على السكان.ففي عصر يوم الأربعاء 31/3/1982 دخلت القوات الإسرائيلية إلى القرى الأربع المُضربة، بأعداد قدرت ب 16 ألفاً من الجنود، بينما عدد السكان آنذاك كان نحو 13 ألف نسمة، وتوزع الجنود على جميع البيوت والشوارع والأسطحة، وبدؤوا بمداهمة البيوت، وتوزيع بطاقات الهوية الإسرائيلية بالقوة على السكان، مستخدمين صوراً قديمة لهم كانت موجودة لدى السلطات منذ أعطوهم بطاقة تعريف تحت الحكم العسكري.
وكان رفض هذه الهويات شاملاً وحاسماً بين جميع السكان، فرموها في وجوه الجنود و مزقوها وداسوها بالأرجل.. ودام هذا الوضع طوال اليومين التاليين.. وحصلت اشتباكات عديدة مع الجنود، نتج عنها ضرب وكسر العشرات، وجرحى بسبب إطلاق النار من الجنود، مع حالات عديدة من الإغماء بسبب قنابل الغاز، وتصاعدت الاعتقالات.. وجرت هذه المواجهات في القرى الأربع كلها (مجدل شمس، مسعدة، بقعاتا، عين قنية)..واستطاع المواطنون انتزاع الأسلحة من بعض الجنود وضربوا عدداً آخر منهم، وبقيت قوات الشرطة تجوب الشوارع.. وبقيت هتافات المواطنين تدوي في أسماع جنود الاحتلال وقادته وفي سماء الجولان قائلة: (المنية ولا الهوية) و(وحياة تراب الجولان.. ما منستلم الهوية!)، و(الجولان سورية.. وفلسطين عربية)، و(بالروح بالدم.. نفديك يا جولان) وغيرها.
كان للموقف البطولي لأحرار الجولان صدى في الوطن الأم سورية من استمرارالإضراب وأنجز ابناء الجولان المحتل ما كانوا يهدفون إليه من الإضراب، وفشل فرض الهوية والجنسية الإسرائيلية على السكان.
اختتمت فصول ملحمة الإضراب العظيمة، ولكنها باقية بروحها الوثابة الملتهبة، إذ يستمر كفاح أهلنا الوطني ضد الاحتلال، هذا الكفاح الذي يتغذى نسغه من تاريخ عريق في مقاومة الاحتلالات، سواء كان العثماني منها أم الفرنسي، إن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتل، يقابله تاريخ المقاومة والصمود العظيم لأهلنا هناك.. وهي مسيرة مستمرة ولن تنتهي إلا بزوال هذا الاحتلال وعودة الجولان كاملاً غير منقوص إلى وطنه الأم سورية. ويبقى الإضراب الوطني الكبير في الجولان نبراساً شامخاً يهتدي به أبناء الجولان، وهم يثبتون كل يوم أن الحق لا يموت بالتقادم.
جولاني