تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فرقة جلنار للمسرح الراقص..اســـــتحضار التـــــــــراث وإحيـــــــاؤه..

ثقافة
السبت15-2-2014
آنا عزيز الخضر

مؤشرات ثقافية خاصة يمتلكها المسرح الاستعراضي...، باعتباره بني على فرجة احتفالية، تميزت بروح التشاركية التي تتقاسم أفراحها وأحزانها بشكل جماعي، مما يستحضر تلقائيا طبيعة حميمية، تجتمع عندها قيم ثقافية واجتماعية،

تتسم بروح المبادرة ومشاركة الآخرين، حيث حفل المسرح العربي بكثيرمن مثيلات هذه الاحتفاليات، التي اعتمدت أصلا على خصوصية ثقافية، من هنا استطاع وتمكن المسرح الاستعراضي في الوقت الحالي، من أن يلتصق بالتراث بسلاسة وتلقائية سريعة، دون أي عوائق، بل أكد الكثيرمن المسرحين العرب بضرورة الربط بينهما،‏

ويقوم بالتالي ذلك المسرح من جانبه بمهمة الحفاظ على الكثير من الخصائص التراثية، التي ترتبط مباشرة بالثقافية التي أنتجته عبر تاريخها وتطورها وتغيراتها، وذلك إن استوفى شروطه، وأكد الكثير من النقاد على أن المسرح الاستعراضي له قوته وجاذبيته الخاصة، وفكرة نقل التراث للمسرح الاستعراضي،هي فكرة مواكبة للعصر بامتياز، وتحديدا بكون الصورة أصبحت في العصر الحديث أكثر بلاغة من الكلمة، فربما تكون الكلمة غير مفهومة في بعض الأحيان، لكن الصورة قادرة دوما على الاقتراب من الوجدان، ويمكن استيعابها بشكل أفضل، وقد باتت لغة العصر، وهو السبب ذاته، الذي يمكن المسرح الاستعراضي الراقص من القيام بهذه المهمة المزدوجة، خصوصا أنه يستعين بالعديد من الفنون، من هنا يتم العمل على هذا الجانب بجدية كبيرة لتحقيق هذا الهدف، وغالبية الفرق الاستعراضية السورية وضعت هذا الهدف نصب أعينيها، ومنها فرقة (جلنار) والتي تميزت عبر عروضها المتعددة باهتمامها بالتراث، حيث تناولته عبر أساليب فنية دراميه واستعراضية متنوعة، وبرعت في توظيف التراث واستثماره من جهة، وإبراز أهمية حضوره من جهة أخرى، جنبا إلى جنب الالتزام كما الاهتمام بقضايا راهنة، تقدم رؤيتها وأجوبتها الخاصة تجاه معضلات الواقع الحياتي كما هو الثقافي، مثلا في عملها الأخير (حجار القلعة) الذي عرض مؤخرا على صالة مسرح الاوبرا بدمشق، اعتمد توليفة خاصة سمحت له الخوض في قضايا وطنية، تؤكد على أهمية أن يكون المجتمع السوري يدا واحدة وقلبا واحدا وروح واحدة، وذلك من خلال التركيز والتعمق أكثر في الترسيخ لهوية ثقافية، يتجلى عبرها حب الوطن، حيث لن تبنى القلعة، إلا من خلال تماسك أبنائها جمعيهم، كي يشاركوا في البناء الحقيقي، ومشاركتهم جمعيهم هي الضامن الاول والأهم للقلعة، وما تعنيه رمزية هذه الكلمة من مجابهة وصمود ومنعة، هذا ما تضمنته أبعاد العمليات المسرحية والفنية لحجار القلعة، التي وظفت الاستعراض وفنونه المختلفة وأهدافه، لجهة حرص العرض وتأكيده على الجانب التراثي والاستفادة منه بشكل دقيق، تآلف عنده الفن التراثي ومضمونه الثقافي، الذي تنوع وتشعب أغنية وموسيقا وحركة استعراضية وأزياء شعبية، خدمت مجتمعة العرض حجار القلعة، الذي قدم لوحات بصرية متكاملة، اعتنت بالتفاصيل الدقيقة والاجمالية ككل، وبكل مايخص الجانب التراثي، بما فيها المنمنات الصغيرة كما الكبيرة، لكل مشهد مسرحي بمفرده، وباجتماعه مع المشاهد المسرحية الاخرى، تلك التي غاصت في كل اتجاهات التراث، وقدمت تجلياته عبر كل الابعاد، الوطنية والهوية الاجتماعية كما الثقافية، فالعرض قدم تراث المحافظات السورية، وأبرز صوره الكثيرة المتنوعة، من خلال المرور على كل المدن السورية ومحافظاتها، ليظهر العادات الجميلة والتقاليد المحلية التي تميز كل منها على حدة، جنبا إلى جنب الاهتمام، بكل مايرتبط بالتراث، ويتمكن العرض بالتالي من خلال التزامه وتمسكه بهذا الجانب، التعبير عن الذات الثقافية، وما تحمله من غنى ومخزون ثقافة عريقة، بنيت أصلاً على أسس إنسانية من جهة، فملأت الفضاء المسرحي بعديد من المعطيات والمفردات القريبة من الوجدان الجمعي والذاكرة، ومن جهة ثانية فإن أمثال هذه الاعمال وتكريسها من شأنها، أن تصنع سداً منيعاً أمام موجات ثقافية تتالى، فتصل أهدافها- إن وجدت -فراغا ثقافيا يستقبلها، ويؤهل تموضعها، من هنا فان الأعمال الإبداعية والثقافية، التي تعتمد العراقة واستثمارمكنوناتها ومعطياتها، ثم ترجمتها ضمن المشهد الثقافي عبر الفنون المختلفة، فانها حقيقة تنجز مهام ثقافية كبيرة، تلعب دورها الاكيد في مواجهة الأفكار الواردة والبعيدة كل البعد عن عالمنا وقيمنا وأحلامنا، وفي هذا السياق أكد مدير فرقة جلنارللمسرح الراقص أنه من أهم أهداف أعمال الفرقة هواستحضار هذا التراث واحياؤه، إذ يعلن دوما عبر تصريحاته، بأولوية العمل والإضاءة على الخصوصية الحضارية لسورية، التي تشكل كنوز حقيقية في كل المجالات، يتوجب حمايتها والحفاظ عليها، ثم احياءها دوما، كي تحمل بين سطورها حمايتها للمستقبل.‏

فاز عرض حجار القلعة بالكثير من المعطيات الناجحة، وأبرزها ميزة العمل الاستعراضي، والتي حققت بحد ذاتها تميزاً مزدوجاً، بحكم اعتمادها على المشهدية البصريه والصورة، حيث استعارت من المعاصرة والثقافة البصرية الكثير، ليقترب العرض أكثر فأكثر من مفردات الثقافة الغالبة، وهي ثقافة الصورة،التي تحقق حضوراً بين الناس، وإن اعتمد على التراث وفنونه، إلا أن روح المعاصرة حضرت بشكل تلقائي، وخيمت بأجوائها على العمل، من دون إغفال لماضيه الجميل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية