تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وجيه البارودي..رحلــــة عطــــاء فــي الأدب والطــــب

ثقافة
السبت15-2-2014
دائرة الثقافة

ما ان تذكر مدينة حماة حتى تتبادر الى الذهن ثلاثة اشياء انها مدينة النواعير ومدينة ابي الفداء والشاعر البارودي، الذي وصل الى التسعين من عمره وظل رابضا في مدينته،

لا يغادرها الا لسبب ما في مدينة حماة، كان البارودي يعد نفسه اقدم طبيب فيها واقدم سائق وايضا أتعس شاعر يعيش فيها وهذا من باب الظرف والكياسة التي عرف بها الشاعر، اضافة الى انسانيته التي فاضت عطاء وحبا على الاخرين، لاسيما في مجال الطب وهو المهنة الانسانية الارقى، وحسب ما تصفه الموسوعات التي تقدم الشعراء‏

وفي ذكرى رحيله يمكن الوقوف عند محطات في حياته كما اوردتها المواقع والصحف، إذ إن الكتب التي صدرت عنه قليلة وغير متوفرة فليس امامنا الا ما ينشر في المواقع الموثوقة التي تعنى بالمبدعين وحيواتهم..‏

محطات في حياته‏

ولد وجيه البارودي في مدينة حماة السورية في (1 آذار 1906 م)، بدأ دراسته الأولى في الكتاتيب ثم في مدرسة (ترقي الوطن) في مدينة حماة. سافر إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام (1918 م) ليتابع دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية).‏

أمضى هنالك أربعة عشر عاماً شملت الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية وتخرج طبيباً سنة (1932م).‏

افتتح عيادته الطبية الخاصة في مدينة حماة عام 1932م إثر عودته من لبنان, واقتنى في تلك الفترة دراجةً عادية استخدمها لزيارة مرضاه (أول من يقتنيها في حماة), ثم تطورت الأمور فاقتنى دراجةً نارية بقيت معه حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين (أيضاً أول من يقتنيها في حماة), وبعدها اقتنى سيارة خاصة به (فكان أول من يقتني سيارة في حماة).‏

مارس مهنة الطب منذ عام 1932م إلى أن توفي عام 1996م؛ أي أنه ضرب رقماً قياسياً في الاستمرار بممارسة الطب بما يزيد على الستين عاماً وبالتالي يعتبر صاحب أطول مدة عمل طبي في العالم، وعن عدم مغادرته حماة يقول:‏

فـي حمـاة مقيـم لا أغـادرهـا‏

شاطئ البحر عندي ضفة النهر‏

فيها النواعير والعاصي شاعرها‏

ثـلاثة ميزتنا حكمـة القدر‏

كان وجيه البارودي في عيادته طبيباً عالماً وإنساناً بكل ما تحمله الكلمات من معان حتى كُنِّي بأبي الفقراء, واشتهر بذلك في أنحاء محافظة حماة جميعها، ولقد افتخر بذلك وتحدث بشعره غير مرة عن حبه للفقراء وعداوته للمال:‏

وبيني وبين المال قامت عداوة‏

فأصبحت أرضى باليسير من اليسر‏

وأنشأت بين الطب والفقر إلفةً‏

مشيت بها في ظل ألوية النصـر‏

توفيت زوجته وثلاثة من أبنائه العشرة فانطوى قلبه على جرحٍ لا يندمل.‏

أما محبته وعطاؤه لكل من حوله فقد تركا ذكرى حيّةً في قلوب أبناء مدينته, وحقَ له أن يقول:‏

أنا حيٌ بمنجزات نضالي‏

وبشعري الذي يظلُ طريَا‏

وبطـبِي وخـبرتي وبحبِي‏

سـوف أبقى مخـلَداً أبديَـا‏

تكريمه‏

تم تكريمه طبيباً: اذقدّم له وزير الصحّة السوري د. إياد الشطي عام 1991 م درع الوزارة باعتباره أقدم طبيب في سورية وصاحب أطول مدة عمل طبي في العالم حيث ظلّ على رأس عمله بما يزيد على الستين عاماً من عمره.‏

كما تمّ تكريمه شاعراً: فقد أقيم احتفال بمناسبة بلوغه السبعين /1975 م/ تحدث فيه نخبة من الأدباء والباحثين والنقّاد والشعراء السوريين عن هذا الطبيب الشاعر, وقدّم له محافظ حماة كأس الشعر.‏

شعره ودواوينه‏

خلال دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت تعرّف على مجموعـة من زملائـه المشهورين في حقل الأدب منهم: (عمر فروخ اللبناني، وإبراهيم طوقان الفلسطيني، وحافظ جميل العراقي،وأبو القاسم الشابي التونسي) وأسسوا معاً جمعيةً أسموها دار الندوة عام 1926 م, وفي تلك الفترة انطلق صوته الشعري يصدح بأعذب القصائد وأحلى الأشعار, كما كان لهم قصائد مشتركة منها وادي الرمان التي نظمها مع الشاعر إبراهيم طوقان.‏

يعكس شعره شخصيته المتمردة الثائرة, وعشقه المتفاني, كما تظهر في شعره إنسانيته في ممارسة الطب وفلسفته الخاصة وقناعته الذاتية.‏

طبع ديوانه الأول (بيني وبين الغواني) عام 1950م ثم أعاد طباعته مع ديوانه الثاني (كذا أنا)عام 1971م, وأخيراً صدر ديوانه الثالث (سيد العشّاق) عام 1994م. بالإضافة إلى مجموعة من القصائد التي تنتظر من يقوم بجمعها وإصدارها.‏

ويعتبر الغزل من أبرز ما تناوله في هذه الدواوين, فقد ظلّ طيلة حياته متلهفاً للجمال, قال في إحدى قصائده:‏

يعجب الناس كيف يهوى مسنّ‏

في الثمانين قوّس الدهر ظهره‏

خَـبرَ الحــبّ يافعـاً ثمّ كـهــلاً‏

ثمَ شيخاً فازداد عزماً و خبْره‏

وهو أصبى فتـوّةً في الثمـانين‏

وأدهـى مـن المـراهـق شـرَه‏

كما صوّر في شعره كثيراً من اللقطات التي مرّت في حياته, فجاءت صوراً واقعيّة فيها الكثير من الطلاوة والجمال والدعابة والنقد للمجتمع والدعوة للثورة على التخلف والفقر, قال في قصيدته الحمراء من ديوانه الأول:‏

مررت أمس على العافين أسألـهم‏

ما تبتغون ؟ أجابوا: الخبز و الماء‏

ومرَ بي مترفُ يشكو , فقلت له:‏

ممَ اشتكيـت ؟ أجـاب: العيش أعباء‏

سيّـارتي فقـدت في اللـون جدَتها‏

أريــد أخــرى لهــا شـكــل و لألاء‏

يـا معـدمون أفيـقوا من جهالتكم‏

يــا مــن حــيـاتـكــم نـتـنٌ و أوبـاء‏

لابـدّ لـلأرض مـن يوم تثـور به‏

والشـمـس من حنـق في الأفـق حمـراء‏

حس الظرف‏

عرف وجيه البارودي بتفوقه في ممارسة الطب حتى صار مرجعاً للحالات المستعصية, كما رويت عنه الكثير من النوادر والحكايات التي كانت تحدث معه يومياً من خلال ممارسته للطب, واشتهر بابتكاره طرقاً مميزة في العلاج تعتمد كثيراً على نظرته الثاقبة وعلى الناحية النفسية للمريض.‏

ومن ذلك نذكر هذه القصة: طـُلب ذات مرة إلى منزل امرأة على وشك الولادة ولكنها كانت متعثرة، شاهدها الدكتور وجيه فطلب مباشرة من الأهل طبلة (دربكـّة) وبدأ بالنقر عليها والرقص مع الصبايا، مما أدى إلى غرق المرأة بالضحك وأنجبت مولودها دون أن تشعر بذلك، ولدى سؤال الدكتور وجيه عن سبب فعلته هذه أجاب: إن المرأة خائفة ومتشنجة وهذه الحالة لا يفكها إلا الضحك أو الفزع، لم أستطع على الثانية فقمت بالأولى.‏

كانت طرائفه كثيرة ككثرة الناس التي عالجها وتعامل معها. قال عن نفسه:‏

حكيـمٌ خبـرتي تسعـون عاماً‏

ومدرسـتي التجارب و العلوم‏

ويذكر له أنه كان لكل الناس, للفقراء والبؤساء الذين يقصدونه وحين يمدون أيديهم لجيوبهم يمسك بها ويربت على أكتافهم، عدا عن الذين كان يقصدهم بنفسه ويعالجهم في بيوتهم ولا يخرج قبل أن يضع ما تيسر من النقود تحت وسائد أسرّتهم حتى غدا صوته في الطب والشعر والعمل الإنساني حديثاَ ملأ الدنيا في حماة و شغل بال الناس. قال عن نفسه:‏

وأنا الطبيب الألمعيُ ولي على‏

بلد النواعير اليد البيضاء‏

وبعد رحلة العمر وإعطاء في الأدب والطب يخلص الى الحكمة التالية اذ يرى ان قليل من الطب أخطر من الجهل.‏

رحل الشاعر في شباط عام 1996 بعد ان ترك بصمة كبيرة في مدينة رأى انها كانت مغلقة على كل شيء،ولابدّ من العمل من أجل تغيير الكثير من العادات والتقاليد فيها وبغيرها من المدن والقرى السورية وجيه بارودي الشاعر والطبيب أحد نواعير حماة ووجوه سورية الاصيلة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية