تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جوزيف حرب.. «في سورية مجد العرب»

ثقافة
السبت15-2-2014
هلال عون

مات عصفور الحقول ، أرغن الريف المكسور، حامل بهاء الطفولة والباحث دائماً عن النبع الصافي. جوزيف حرب كان الخصوصية الرعوية السحرية التي تصعد منها نكهة سنديان البراري والطفولة التي لا تكبر. عاش حياته باحثاً عن بيت صغير ليسكن فيه.

شيّد قصراً ولكن بيته لم يكن هناك، وامتد صوته في الآفاق ولكن صوته لم يكن هناك، فقد كان بيته الحقيقي في شجرة سنديان، وكان صوته في صوت الرياح، لذلك جوزيف حرب لم يمت بل توزّع في الفضاء الذي كان يحتويه.. بهذه الكلمات الرائعة نعى الشاعر الكبير محمد علي شمس الدين صديقه الراحل الكبير.. شاعر الطبيعة والطفولة والمحبة والموقف العربي الأصيل .. الثابت تجاه قضايا أمته.‏

أما الشاعرة سوسن مرتضى فودعته بقولها : الجميل أن جوزيف حرب «زارنا قصباً وفلّ ناياً» بعد أن ملأ فضاء الشعر إبداعاً وموسيقا وشعراً جميلاً ، وأغنيات تسكن وجداننا. فمرة نحبه حتى «ننسى النوم»، ومرة نمرّ عبر الأبواب المشتاقة لأصحابها، ومرة يتساقط علينا «ورق أيلول الأصفر»، ومرّة نسهر «بليل وشتي» قبل أن «نتودّع على الباب» .‏

ألبسنا جوزيف حرب «اسوارة العروس» الجنوبية وحذّرنا ألا ننسى وطننا حتى لو نسينا «صور حبايبنا» و»لون الورد بورق رسايلنا». حين نودّع مبدعاً لا بدّ أن «يطلع لنا البكي» حزناً علينا، لأن هذا العالم لم يعد يتسع لصانعي الجمال والفرح. ولكن من كتب «أسامينا» لم تكن عيناه اسمه بل شعره المرفرف فوق مساحات القلب.‏

يقول الناقد د. حسين سرمك حسن في دراسة نقدية للديوان الأخير للراحل (زرتك قصباً..فلّيت ناياً):‏

ناي جوزيف حرب طافح بالحب.. حب التراب والعصافير والزيتون والبحر والريح والشعر..قلبه ممتلىء دائماً بالمحبة الغامرة.. بالعشق الأرضي يتخم قلبه..وقلبه هو نايه.‏

يصدح بأنشودة الحياة والعشق..هذا العشق هو الذي أحاله من قصب إلى ناي.. إلى روح تغني رغم الجراح والخيبة.‏

كم مرة سمعنا صوت العصفورة ولم نكن قادرين أبداً ، بفعل صدأ الرتابة الذي يخيّم على حواسنا ، على اكتشاف ما يكتنزه هذا الصوت من معان سماوية جسيمة:‏

في صوت عصفوره ْ‏

عشيي بسمعو‏

سبحان الله شو حلو ! متل‏

الكأنو صوت رحْمِي‏

بأرض مهجوره ْ‏

نغمات أنقى من الصلا ، والعين‏

نزلِت دمعتا.. والروح مكسوره ْ‏

ومن كتر ما هوّي سماوي صوتها‏

بتظنِّ في‏

آيي‏

ع َ خيط الصوت محفوره ْ‏

في سورية مجد العرب‏

لم ينس الشاعر العربي الكبير دمشق التي أحبها ورأى فيها عزة العرب وكرامتهم ، بل هو يرى عرش مجد العرب في دمشق ، حيث قال فيها وفي قيادتها:‏

دمشقُ على غارٍ ، وسيفينِ دورها‏

أزورُ رجالَ الشمسِ لمّا أزورها‏

أميرٌ لها تشرينُ كلُّ غمامةٍ‏

تلوِّنُ قوساً كيْ يمرَّ أميرُها‏

إذا لبستْ غيماً حَسبتَ كأَنها‏

بعرسٍ ، عليها قدْ تدلّى حريرُها‏

أبا باسلٍ لولاكَ هَلْ وجدتْ‏

لها بلادُ جبالِ الأرزِ جاراً يجيرها‏

لنا أمّةٌ كيَ يحفظَ المجدُ عَرْشها‏

لمثلكَ يُعطى ركنُها وسريرُها‏

إذا ما ضميرُ الشعبِ أصبحَ قائداً‏

فأُمَّتنا في الأرضِ أنتَ ضميرُها‏

بلادٌ رماها في الرياحِ صغارُها‏

إلى أن تولّى الحكمَ فيها كبارُها‏

ويخاطب الرئيس الراحل حافظ الأسد:‏

يا قائداً بدمشقَ لا يغفو‏

ولا تغري بياضَ جبينهِ الخيلاءُ‏

رجلٌ يرى الأيّام قبلَ مجيئِها‏

ويديرُ مسرى الريحِ كيفَ يشاءُ‏

رأيٌ عميقٌ ، واسعٌ ، حسّادُه‏

ندّانِ : بحرٌ زاخرٌ وفضاءُ‏

ويقول متهكِّماً من بعضِ الحكّام العرب:‏

يا أمّتي . كم رجالٍ لا جبينَ لَهُمْ‏

وقاكِ أصلابَهُمْ ، عقْمٌ وترميلُ‏

كمْ قادةٍ منذُ عامِ الفيل قَدْ حكَمتْ‏

واخطأَتْ رَشْقها الطيرُ الأبابيلُ‏

وكَمْ تمنَّيتُ مَنْ قَدْ وقَّعتْ يدُهُ‏

أنْ يمضي العمرَ لكن وهو مشلولُ‏

ثمّ ينادي تراب سورية التي يحبها فيقول :‏

هو الحمامُ إذا سوريّةُ انتصرتْ‏

أمّا على الضَّيم فهو السيفُ مصقولُ‏

ما شعبُهُ ؟ الدَّمُ للرَّاياتِ ، ساعدُهُ‏

من سنديانٍ عصيِّ القطْعِ مجدولُ‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية