فلم تختفِ يوماً مواطئ أقدامهم ، ولا تلاشى -إيقاعها- في صحارى النسيان، وما بقي الماضي غائماً يقبع في زوايا الذاكرة ، لهؤلاء يبقى حضورهم - أينما حلّوا ومن طلّتهم يشرق (الأمل ) يلملم ما تناثر منّا على ضفاف أزمة عبرت لتنهض بهم (قامات السنديان) كعنوان جذّاب لبرنامج سوري بامتياز ،راح يختزل -معدّه- جراحنا فيه حلقة بعد حلقة، وبلغة مبسطة (وثائقية- توثيقيّة) تروي بما تبقّى من مفردات الجسد، حكاية الشهيد الحي، الماثل - شاهد عيان- على مجون سادة العالم وجنونهم في ولادة - الغد - من الخاصرة، من جراحة التي اندمل بعضها، أو انغلق جزئياً على شظايا بقيت مغروسة في الرأس أو الجسد، راح يروي بصمت أبلغ من الكلام حكاية استبسال شعب صمد في حرب طويلة.. طويلة مع الإرهاب. من شفة جرحه خرج التاريخ يحكي بإسهاب وإطناب حكايات أبطال قضى بعضهم نحبه، وبعضهم ينتظر وما بدّلوا تبديلاً، اللاحقون منهم يروون معجزات “ السابقون” من طرف مبتور، وعيون فقدت البصر، وجسد قد شلّ.
لتتراكم الحكايات سطراً إثر سطر, وجرحاً فوق جرح يشهد كما - توقيع فنّان- على لوحة خالدة، رواية بطل أبدع بدمه في تشكيل وطن يشمخ - كما السنديان- بقاماتهم التي لم تنحن لعاصفة .. في أكثر من حلقة تابعت تفاصيلها بلسان أبطالها، أدركت رغم ما خلّفته الأزمة بيننا من جرحى إلى جانب الشهداء أدركت بصوتهم وصورتهم انتصارهم على ذاتهم بعد عدوّهم، إذا استطاعوا بفضل الروح التعاونية الجماعية - السائدة في المجتمع الريفي خاصة - تخطّي الإعاقة الناجمة عن إصابتهم في ساحات القتال والنهوض - بالأمل - لمتابعة سير حياتهم من جديد..
فبوركت سواعد كل من تجّند لخدمتهم بدءاً من المسعف والطبيب والممّرض أو الممّرضة، مروراً بالأم فالزوجة والأخت والأخوة فالابن والابنة، وانتهاء (في عود على بدء) بالأب الذي لم يقلّ بسالة واندفاعاً وبطولة عن ابنه المصاب، فراح يتصدّى بمنتهى المسؤولية لمهمة القيام بأود الأسرة التي أقعدت الإصابة معيلها قسرياً في كرسي متحرك ليغدو من ذوي الحاجات الخاصة لهؤلاء أيضاً - بطولاتهم- في مواجهة القدر والتسليم بقضاء الله، ليشرق من تحت أكعابهم الأمل الذي ما انطفأ يوماً، ولا خَبَتْ شعلته، لأنه كما قلت بداية آخر من يموت .