تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نقاش أميركي حول تطابق المصالح مع إسرائيل

شؤون سياسية
الأثنين 12-7-2010م
حكمت فاكه

من المعروف أن إسرائيل تعتمد كلياً على أمريكا بالنسبة للأمن الاستراتيجي والدعم الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي.

فمنذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 كرست أمريكا جهوداً كبيرة لمساعدتها في هذه المجالات، حتى أصبحت إسرائيل أكبر متلق للمساعدات الأمريكية وغدت بتلك العلاقة «شريكاً استراتيجياً» وحليفاً. وبالرغم من ذلك فإن العلاقة بين الطرفين لم تخل من الاحتكاك. هذه العلاقة الخاصة ربما دخلت اليوم في تحول مع ظهور تساؤلات في الداخل الأمريكي تؤكد مثلاً على مقولة إن إسرائيل حليف استراتيجي وأن أمنها جزء من الأمن الأمريكي، لكن يسأل العديد من المسؤولين الأمريكيين وغيرهم: هل يجب أن يكون هذا الدعم مطلقاً؟ وأن يعني دعم أي حكومة إسرائيلية أو أي سياسة لأي حكومة إسرائيلية؟ وهل يتعين على أمريكا أحياناً بذل محاولات «لإنقاذ إسرائيل من نفسها» ولاسيما إذا تطابقت هذه المحاولات أو تناغمت مع أولوية دفاع أمريكا عن مصالحها التي قد تؤذيها بعض السياسات الإسرائيلية وبالذات سياسات حكومات اليمين الإسرائيلي المغالي في تعصبه؟‏

فلأول مرة كما تقول صحيفة نيويورك تايمز يحدث نقاش في أمريكا جوهره: هل هناك تطابق في المصالح مع إسرائيل؟ إن إسرائيل غير المكترثة بتورط أمريكا في حروب جديدة متهمة بالوقوف وراء دفع الرئيس الأمريكي السابق بوش إلى غزو العراق وهي الآن تحاول وبإصرار دفع ادارة أوباما الحالية لعمل مماثل ضد إيران، علماً أن الكيان الصهيوني هو المعروف بمشاريعه الاستيطانية- الاستعمارية وممارساته في مجال التطهير العرقي «الترانسفير» والتي تؤذي سياسة أمريكا وتزيد من منسوب الكراهية لها على امتداد العالم، ولاسيما في العالمين العربي والإسلامي مثلما تزيد من «التطرف الإسلامي» الذي تحاربه أمريكا منذ هجمات نيويورك عام 2001.‏

ما يمكن اعتباره تبدلاً في الاتجاهات الأمريكية تجاه إسرائيل يعود بالأساس إلى رؤية أوباما للمصالح الإسرائيلية من وجهة نظر مختلفة عن سلفه بوش. فالأول ينحاز إلى «الوسط الإسرائيلي» بشكل يبعده عن ائتلاف «اليمين المتطرف» مع تنامي الشعور لدى الأمريكيين الموالين لإسرائيل ولدى كثير من الاسرائيليين أيضاً بأن نتنياهو وحكومته يفقدان ثقة واشنطن وكذلك أمن إسرائيل المستقبلي.‏

وبما أن الوضع كذلك نجد أن تخوفات هؤلاء تنبع من كون إسرائيل لم يعد بوسعها الاعتماد على حقيقة أنها حليف لايمكن الاستغناء عنه أو تجنب حقيقة أن سياساتها الحالية أصبحت تهدد المصالح الأمريكية مع تنامي الشعور المناهض لأمريكا في الشرق الأوسط. وهنا يجب علينا تذكر كلام القطبين الأمريكيين اللذين تم تعيينهما في موقعيهما من قبل الإدارة السابقة: الأول وزير الدفاع غيتس عندما أعلن أن «عدم إحراز تقدم في المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية يضر بمصالح أمريكا في مجال الأمن القومي في المنطقة، وأن عدم إحراز تقدم في عملية السلام هو بالتأكيد أمر يستغله خصومنا في المنطقة ويؤثر على مصالح الأمن القومي الأمريكي»، وذلك بعد أيام فقط من تصريحات القطب الثاني الجنرال بترايوس الناقدة لإدارة أوباما والتي قال في إحداها: «إن الصراع المتدهور في الشرق الأوسط يزيد من المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة بسبب الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل». هذا دون أن نتحدث عن ممثلين بارزين آخرين لما اصطلح على تسميته «اللوبي العسكري» الأمريكي، سواء تجسد هذا في مستشاري الأمن القومي على امتداد الحقب الماضية، أم في جنرالات آخرين مثل جيمس جونز ومايك مولين.‏

لقد أصبح واضحاً أن «القيم المشتركة» التي اعتمدت عليها إسرائيل لكسب التعاطف الأمريكي تضاءلت مع الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. وبحسب القنصل الاسرائيلي العام السابق في واشنطن ألون بينكاس فقد أصبحت العلاقة بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو غير موجودة. إضافة لما أشار إليه آرون ديفيد مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون لشؤون الشرق الأوسط من «نفاد صبر أوباما ووصوله إلى درجة الغليان واحباطه من نتنياهو» فإسرائيل تعاني ازدراء العالم لها بسبب أعمالها العدوانية القديمة المتجددة، بل إن أوباما الذي يصر نتنياهو على رفض نصائحه بل يحاول إذلاله رد بوضع نتنياهو في موقف صعب عندما استقبله من دون ترحيب ومراسم احتفال في البيت الأبيض وأوضح له في اجتماع طويل أنه يجب ألا يأخذ التأييد الأمريكي لإسرائيل كأمر مسلم به.‏

ومنذ تولي أوباما للرئاسة الأمريكية جاء إلى المنطقة معلناً أنه لا سلام دون إقامة دولة فلسطينية ومؤكداً على أهمية التوصل إلى اتفاق تحت مسمى «حل الدولتين». ويؤكد هذا التوجه وفقاً للعديد من المحللين إدراك أميركا أن إعادة ترتيب النظام العالمي ينطلق من قدرتها على حل الصراع العربي- الإسرائيلي أو حتى الملف النووي الإيراني، وهما ملفان تخاف واشنطن من سياسة اسرائيل تجاههما مع استمرار حكومة نتنياهو في خطها الحالي التدميري في الملف الأول ومحاولاتها المغامرة بالنسبة للملف الثاني ومن ذلك تورط الإدارة الأمريكية بحرب اسرائيلية يتم فيها ضرب المنشآت النووية الإيرانية فترد طهران بضرب الأهداف العسكرية الأمريكية في المنطقة، حينها ستجد الإدارة الأمريكية نفسها أمام حالة حرب لا يمكنها تجاهلها، ما قد يدفعها إلى اتباع النهج التقليدي الداعم لإسرائيل دبلوماسياً ومدها بالمعدات والذخائر العسكرية وبذلك تساهم في تعميق ورطتها الشرق أوسطية مع كل ما سينجم عن ذلك من مشاعر سلبية على امتداد العالمين العربي والإسلامي على الأقل.‏

والحقيقة أن أوباما لا يزال يحاول التعامل مع اسرائيل مختلفاً معها في توجهات حكومتها اليمينية المتطرفة مؤمناً كما تدل تصريحاته بأن «أمن اسرائيل» هو هدف استراتيجي أمريكي لكنه لن يتم تحقيقه في شكل كامل ونهائي إلا إذا توصلت إسرائيل إلى سلام شامل مع الفلسطينيين والسوريين لذلك يصبح من حقه طالما أن أمريكا تقدم لإسرائيل إلى تقدمه مطالبتها بالانضباط وبأن تأخذ المصالح الأمريكية بعين الاعتبار، أقلها بالقدر الذي فيه تأخذ أمريكا بعين الاعتبار المصالح الاسرائيلية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية