تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وشم على ذاكرة البحر

رسم بالكلمات
الأثنين 12-7-2010م
سامي البدري

(ر)... هل ستحتملين كل هذا الجنون ؟

هل الوحدة نزيف الذاكرة الأعمى ؟‏‏

أم هي تجفف منابع الألم ؟‏‏

أم هي قبو الأحلام المؤجلة ؟‏‏

من هذه العتبة، التي تتربع آخر وهدات الشرق المتطلعة إلى ملامسة خيوط الشمس،بدأت حياكة ملامح المحطة الاخيرة لقاطرتي المنفلتة في سراب الظنون منذ أربعين قيظا .‏‏

هل هي أمل قديم أم رغبة مؤجلة أم لذعة منبت الألم الرابض - أبدا - في خاصرة الحلم ؟‏‏

كنت مندفعا كسهم أفلته مراهق من قوسه في لحظة طيش غير معنونة .. قبل أن يلفظني جزر مضيق هرمز الى عرض البحر، أحرقت جميع مخلفاتي: أوراقي المحترقة، بطاقات احتجاجاتي الصفراء والحمراء، والتي ظننتها - في بعض ساعات سكوني - رهانات مؤجلة أو قادمة، بعض أوجاع الرأس المزمنة. وحدها أصوات قلقي وهواجس وحدتي التي أبت إلا أن ترافقني .. القلق حبة ما بعد النوم ...، هل أنا وحدي الذي انفرد بهذا الامتياز؟‏‏

قائد المركب الذي وعدني باجتياز رأس الرجاء الصالح، يكدس مسافريه فوق أمتعتهم بطريقة سوريالية ذكرتني بلوحة للفنان (عدي حاتم) حمل فيها باصاً ضاق بركابه, وصناديق أمتعتهم على ظهر جمل لأحد الرعاة الأفارقة، دون أن يسمي إن كانت مسؤولية إيصالهم إلى أهدافهم من حصة الجمل أو الراعي!‏‏

- هل أنت متوجه الى الشمال ؟ سألتني امرأة لم تعبث سنواتها الأربعون بنضارة جمالها.‏‏

- بل إلى الغرب ... إلى حفافي الأطلسي، إن شئتِ الدقة .‏‏

- هل تبحث عن عمل ؟‏‏

- لا .‏‏

- سياحة ...؟‏‏

- الحقيقة .... أيضا لا ..‏‏

- إذن ...؟‏‏

- الحقيقة أنها دعوة ..‏‏

- من صديق ؟‏‏

- بل من نفسي ... أقصد من نوازعي أو حاجتي على وجه الدقة .‏‏

- هل هذه أحجية أم هو امتناع ...‏‏

- أبدا .. يبدو أنني لم أحسن اختيار كلماتي بدقة. ما قصدته هو أنني لم أيأس !‏‏

- وهذا يعني ...؟‏‏

- يعني أني واصلت انتظاري بدأب ..‏‏

- ألهذا أراك مندفعا كسهم ؟‏‏

- بل متلهفا كسهم !‏‏

- أنت متعب يارجل !‏‏

- بل بفتح العين !‏‏

على عتبة رأس الرجاء الصالح، حدثني مساعد القبطان عن أوهام شبابه ومغامراته .. لم يستوقفني في تلك القصة شيء مهم فقلت:‏‏

- أنت ياصديقي لم تكن حاضنة جادة لفايروس الرغبة! فسألني بسخرية:‏‏

- هل هذه أحجية ؟ وردّ صوت المرأة الأربعينية من خلف ظهري بانتصار ظاهر ..‏‏

- هذا ما قلته له قبلك يارجل .‏‏

قذف مساعد القبطان زجاجته الفارغة الى دولفين أخذ يستعرض إحدى رقصاته تحت قرص القمر الفضي بوداعة طفل رضيع، فقالت المرأة:‏‏

- هذا فأل حسن، إن لم تكن أحادي النظرة ...‏‏

- ليس أمري بالسوء الذي تظنين .‏‏

فجأة انعطف المركب إلى جهة اليسار, فتساءل كمٌّ من الأصوات المكدسة على سطح المركب:‏‏

- الى أين ؟ ردّ مساعد القبطان بضجر:‏‏

- سنبيت ليلتنا بجانب هذه الجزيرة، وربما أكملنا طريقنا في الصباح .‏‏

كانت الانعطافة مفاجئة تماما مما أجبرني على أن أسند جسمي إلى سياج المركب بذراعي, فانحسر كم قميصي ليكشف عن أثر عضة كلب قديمة تتوسط ظهر ساعدي الأيسر، فسألتني المرأة: - هل هو رمز لحادثة ما ...؟‏‏

- العضة تقصدين ؟‏‏

- حسبتها وشما ...؟‏‏

- الوشم.. انا في طريقي الى نقشه !‏‏

- هل أنت جاد ؟‏‏

- جدا !‏‏

- على ذراعك الثاني ؟‏‏

- بل على وجه البحر وفي ذاكرة طيوره وعلى صفحات نجومه .‏‏

- ها أنت تعود الى ألغازك من جديد .. اسمع.. أتكون ذاهباً للقاء امرأة ؟‏‏

- بل لاجتراحها من ذاكرة البحر !‏‏

- وإن لم تستجب لحلمك ... تلك الذاكرة التي تتحدث عنها ؟‏‏

- الحقيقة أنا لم أضع هذا الاحتمال ضمن حساباتي !‏‏

- أنا أفترض ...‏‏

- .....‏‏

هنا أطلقت قهقهة سخرية وقالت: - هل اتهمك أحد قبلي بالجنون ؟!‏‏

- أكثر من الذين اتهموني بالعقل !!‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية