وإدارته على مدار ثماني سنوات. كما أدركت هذه القطاعات ماحل بالشعب الأميركي عقب الحادي عشر من أيلول 2001 الذي تركزت السياسة الداخلية والخارجية لتلك الإدارة على تخويف الأميركيين من الغول المنتظر /الارهاب/ وكان جل اهتمامها زرع الذعر في نفوسهم ومخيلاتهم وكان ذلك مقصودا من هذه الإدارة لتنفيذ أجندتها وتحقيق اهدافها المرسومة تحت يافطة الحرية والديمقراطية لتحرير العالم بغية الوصول إلى مشروعها لاستعمار الشعوب من جديد.
ثماني سنوات من عمر الشعب الأميركي تولاها الرئيس بوش مارس خلالها ابشع أشكال التضليل بحق هذا الشعب, وقاده من خسارة إلى خسارة على مختلف الجبهات التي دخلها من ورطة افغانستان إلى مستنقع العراق تحت سراب محاربة الارهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل ليدرك أخيرا هذا الشعب هشاشة الكذبة الانتخابية التي على وقائعها اعطى ثقته لإدارة خادعة أفقدت أميركا إلى اليوم ما يزيد عن ثلاثة آلاف جندي وبلغ عدد الجرحى والمعوقين أكثر من 18 ألفا ومازال الحبل على الجرار, الشيء الذي أعاد إلى أذهان الأميركيين محنة فيتنام التي واجهها الجيش والشعب الأميركي وقتذاك وخسائره المريرة.
أيقن الأميركيون اليوم أن نزيف الدم الأميركي والاقتصاد الأميركي لم يتوقف فحسب حتى أن الخزانة الأميركية اليوم نزفت إلى أن أصيبت بالدوار وقاربت موازنة وزارة الحرب الأميركية اليوم إلى خمسمائة بليون دولار للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة ناهيك عن تكاليف الحرب على العراق التي بلغت أرقاما فلكية قدرت بحوالى 400 بليون دولار ما جعل أميركا اليوم أكبر دولة مثقلة بالديون في القرن الجديد وهذا بالطبع ما أثار حفيظة الشعب الأميركي ومؤسساته الفاعلة ودافع الضرائب الذي بدل أن تكون أمواله التي دفعها قد جندت لخدمته ذهبت أدراج الرياح باتجاه الحرب والدمار والفشل. ومثل هذه الصورة أو النتيجة وجدها الديمقراطيون فرصة سانحة لهم مع فشل إدارة بوش المتواصل في تسويق هزائمها وعثراتها وتخبطها في شن الحروب الخاسرة لينقضوا مؤخرا على الحزب الجمهوري والرئيس بوش مجيرين تلك الأخطاء القاتلة لصالحهم وجعلوا من فشل بوش في العراق مدخلا لالحاق الهزيمة بالجمهوريين تحت عنوان عريض لهم صيانة مصالح الشعب الأميركي وإعادة الثقة والسمعة لأميركا وسياساتها الخارجية بعد أن فازت كما يبدو هذه السياسة في عهد الرئيس بوش بمساحات واسعة من الكراهية العالمية ولاسيما في العالم العربي والاسلامي, لقد جاء فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس الأميركي على أثر الاخفاق الأميركي في العراق وعلى ما سجلته النتائج السلبية لسياسة الرئيس بوش داخليا في ظل تراجع الضمان الاجتماعي وتناقص فرص العمل وتزايد نسب الضريبة وتجاهل دعم التعليم والصحة والتأمين إضافة إلى الوعود الكاذبة التي سببت إدارة بوش من خلالها للمواطن الأميركي صداعا مزمنا لم يعد بوسعه تحملها أو الانصات اليها. وعلى هذا قدمت انتخابات الكونغرس الأخيرة دروسا للرئيس بوش وإدارته بعجزه اليوم عن الدخول في مغامرات جديدة غير محسوبة النتائج وما ارتسمت عليه سياسته في السابق من نشر الفوضى وإثارة الفتن ما شكل بداية النهاية للتوجه اليميني المحافظ لتلك الإدارة وكان أول الساقطين فيها وزير الحرب رامسفيلد ما أجبر على أثرها الرئيس بوش وعلى مضض أن يعلن أن إدارته منفتحة على كل اقتراحات لجنة /بيكر هاملتون/ التي يحاول من خلالها الديمقراطيون الفائزون أن يضعوا استراتيجية لمواجهة الواقع الأليم لسياسة بوش, لكن كما يقول أكثرية المحللين الأميركيين بأن الدخول في النفق كان سهلا لكن الخروج منه اليوم يبدو صعبا بعد أن انهال التراب على فتحاته. فاليوم يتقاسم الرئيس بوش والديمقراطيون السلطة ومن هذه الأرضية فإن كل الدلائل والتوجهات تشير إلى أن الجانبين سيدخلان في دائرة التعاون ليتقابلا كما يبدو في نقطة الوسط وبحيث يتنازل كل طرف للآخر عن العديد من المطالب بقيادة تيار معتدل في السلطتين التشريعية والتنفيذية على مبدأ حماية مصالح أميركا من دون غيرها.
واستمرارا على هذه الحالة لانتخابات الرئاسة عام 2008 يستعد كل طرف لخوض هذه المعركة المصيرية ويبقى المستنقع العراقي هو الرهان الخاسر للرئيس بوش ولسياسته ولمشاريعه لما تبقى من فترته الرئاسية, ومؤخرا استمع الكونغرس الأميركي لتقييم الجنرال أبي زيد قائد القوات الأميركية في العراق ونصح بدوره من جديد بضرورة تعزيز هذه القوات في العراق معترضا في الوقت نفسه على فكرة تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق, وهذا بدوره سيزيد من مشوار الأخطاء القاتلة لمسيرة الرئيس بوش وبالتالي سيزيد من الخسائر المؤلمة التي سيتركها للشعب الأميركي وللآخرين.
أما السؤال الأهم في سياق هذه النتائج وفي ضوء صورة المستقبل الذي يجب أن يكون حاضرا أمام العرب وبحثهم بروح مسؤولة وجادة عن شراع مستقبلهم كأمة, يجب أن نستفيد من تجارب ومواقف لمن راهنوا واعتمدوا عليهم في خدمة قضايانا القومية, آن لهم أن يعيدوا حساباتهم من جديد في هذه الفترة السانحة لهم, ونستذكر ما وعده بنا الرئيس بوش منذ ولايته الرئاسية الأولى وبعد نصره على الديمقراطي آل غور حين حلم بعض العرب بولادة عصر جديد من العلاقات العربية الأميركية في الوقت نفسه الذي تخوفوا فيه من أي ميول لآل غور لحسابات بالطبع كانت مصالح العرب وقضاياهم فيها غائبة تماما كما أثبتت الايام والوقائع على مدار ثماني سنوات خلت من رئاسة بوش ولعل العرب اليوم كالأمس أخشى ما نخشاه أن لا ينسوا ما نكثه الرئيس بوش من وعود لهم وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وخريطة السلام والتي ذهبت جميعها ادراج الرياح حين أصبح كلامه عن الدولة الفلسطينية في مهب العاصفة وحين أجهز على خريطة الطريق وغدر بهم باحتلاله العراق وتحويله إلى أشلاء.
لقد آن الأوان للعرب أن يدركوا سواء لأبعاد فوز الديمقراطيين أم الجمهوريين فالأمر سيان حيالهم لأن مصالحهم وحماية وجودهم ومستقبلهم هي من صنع أيديهم وأنفسهم وليس لدى الآخرين لأن الآخر الأميركي أم الصهيوني نصب لهم العداء منذ وعد بلفور المشؤوم حين بدأ مسلسل اغتصاب فلسطين على أن يكملوا مشوارهم ومشاريعهم وهم أكثر عدوانية وطغيانا على هذه الأمة التي آن لها أن تستفيق من سباتها.