تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تلفزيون الواقع...عواطف مثلجة ومشاعر مجففة

فضائيات
الاحد 24/12/2006
عقبة زيدان

إذا كان هذا العصر هوعصر الحرباء, كما يقول غاليانو, فإن الواقع المتجسد هوعبارة عن تلوينات لهذا الكائن الحذق, والواقع يسير على قانون القوة, لهذا لا يبدو واقعياً, بل معبراً عن أخلاق الفعل.

في عصر الضوء, انسحق مايسمى بالواقع, وسرق الضوء وصوره السريعة عالم الليل. وكان لابد كي لايبقى التلفزيون معلقاً في الهواء, من العودة إلى التفاصيل التي تشكل واقعاً ما.‏

تسرب الواقع إلى الشاشة, عبربرامج, جاءت كبديل مؤقت للعواطف المثلجة والمشاعر المجففة في علب الضوء, وقدمت هذه البرامج نفسها عبر سلسلة من المحاولات لمقاربة الواقع. بيد أن الواقع لم يكن قريباً كفاية, ولم يكن متطابقاًمع ماسمي بتلفزيون الواقع, حيث كانت العين ا لثالثة هي عصا التهذيب أحياناً, وعين الرقيب في أحيان أخرى, تفرضان شكلاً من تزويق الواقع, إضافة إلى أسباب أخرى.‏

لم يكن ( ستار أكاديمي) بنسخته العربية, أكثر من برنامج ترفيهي للمراهقين. وإذا تم إدراجه في قائمة تلفزيون الواقع, فهذا من باب إقناع المتفرج ليتحول إلى صوت ثمنه اتصال. فالكاميرا تراقب المشاركين ليل نهار, وهم يقومون بأعمالهم الاعتيادية في مكان تجمعهم وفي تجولهم. إنهم يعيشون واقعاً مفروضاً عليهم, كي يربحوا المسابقة, وهذا الواقع القسري لايمت لحياتهم بصلة.‏

العين الثالثة, أوالكاميرا, في برنامج (الرابح الأكبر) والمستنسخ عن برنامج(الخاسر الأكبر) الغربي, هي البطل الحقيقي أحياناً, هي الكابح الأساسي في الانفعال الواقعي, حيث يتسابق فريقان في إنزال وزنهماإلى الحد المعقول, والذي يخسر وزناً أكثر يفوز. وضمن نظام الشروط القاسية, لايمكن أن يعيش أي متسابق واقعه.‏

بالنسبة لقناة( زواج) فإنها تقوم بعرض واقعي على مدى 24 ساعة,يتم خلاله تجميع شباب في سن الزواج, وممارستهم لطقوسهم اليومية أمام الكاميرا, وحين تعجب فتاة بأحد المعروضين فإنها ستختار شريكها المستقبلي,وهذا الواقع التلفزيوني يدخل في باب المرفوض العربي إيديولوجياً وعقائدياً, ولكنه يصبح مسموحاً به ومروجاً له أمام سطوة المال.‏

أي واقع هذا الذي يحتاج للترويج له كي يصبح واقعاً?‏

البرامج الأقرب للواقع هي البرامج الغربية المعروضة على المحطات العربيةmbc4 كمثال وفي مقدمتها (بيوت قذرة) وهويحكي عن امرأتين تفتشان عن أشهر القذرين في أميركا, وسبب القرب من الواقع, هوالمراقبة اللصيقة للشخص القذر, وكذلك اعترافه وتمتعه بقذارته, دون خوف من الكاميرا ,وهذا من بين البرامج القليلة التي لم تخرج منه النسخة العربية بعد.‏

أما البرنامج الآخر الأقل واقعية هو ( الأعزب) حيث يزج رجل بين عدد كبير من الفتيات يسعين لنيل رضاه ليتزوج إحداهن. يكون الرجل صريحاً في مراوغته أمام الكاميرا, وصريحاً أيضاً في اختيار المرأة التي أعجبته.‏

كل هذه البرامج مع اختلافها في قربها من الواقع, ورغم عرضها على القنوات العربية, فهي لا تصور الواقع العربي في شيء, وفحواها لا يهم سوى شريحة صغيرة جداً, وكأنها مصممة للترفيه والتسلية وإضاعة الوقت. ففي واقع يغص بمشكلات جمة, معظمها بدائية, ومرعبة في تفاصيلها, لا يمكن أن يكون دور التلفزيون مجرد مستنسخ لمشكلات الغرب, وعرضها كبدائل للواقع العربي الفعلي. هي برامج صممها الغرب, الذي تخلص من كل المشكلات التي تعنينا. وهذا الغرب هونفسه الذي لا نتوانى عن إدانة مشكلاته وسلبياته كلما سنحت لنا الفرصة.‏

إذاً, فالواقع التلفزيوني هو الذي يؤدلج الواقع على كيفه وطريقته, يصوغه حسب رؤاه وتقنياته, ويحوله إلى أداة تخضع لمقومات الصورة وايديولوجيا القناة. وهذاكله يبدو تأييداً لمقولة غاليانو المؤذية والتي تعري الواقع: إنه عصر الحرباء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية