تعتبر حكومة طوكيو الأقل رفضاً للسياسة الأميركية في العالم كله إلى درجة أنها ساعدت إدارة بوش في وجودها العسكري في العراق وقدمت لها مساعدات مختلفة في نطاق حربها على ما تسميه الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ,2001 إضافة إلى تعهدها بمنح المساعدات لإعادة بناء العراق خلال السنوات القادمة, كما اتخذت طوكيو قراراً بنشر قوات الدفاع الذاتي FOS للعمليات الإنسانية في هذا البلد المنكوب ومنه يمكن الاستنتاج بأن العلاقات بين طوكيو وواشنطن لا تزال جيدة, ما يعني أن القائمين على وضع السياسة الخارجية اليابانية والبرلمان ونخبة رجال الأعمال يقيمون علاقات ودية مع إدارة بوش, ومن الجانب الأميركي رفع نائب وزير الخارجية الأسبق ريتشارد أرميتاج التحالف الأميركي- الياباني إلى المستوى الذي يربط واشنطن ولندن, ومن الجلّي أن الجمهوريين حذرون جداً لقضايا الأمن والتحالف مع طوكيو في حين أن الديمقراطيين أكثر ميلاً نحو الصين, ولا تزال الرحلة التي قام بها الرئيس الأسبق كلينتون إلى آسيا متناسياً اليابان ماثلة في الأذهان وجهة النظر هذه تقابلها وجهة نظر أخرى تقول إن الوضع تحت السطح يبدو مختلفاً تماماً فقد انتقد الحزب الديمقراطي في اليابان صراحة نشر قوات الدفاع الذاتي FOS في العراق واعتبر أن الحرب على العراق كانت خطأ فادحاً.
وإذا كانت الحكومة اليابانية, كالمملكة المتحدة تتغاضى عن سياسة بوش, فإن الشعب الياباني لا يبدي أي ميل يذكر إلى هذا الأخير أو إلى الحزب الجمهوري وسياساته في (الشرق الأوسط).
ومن المؤكد أن الشعب الياباني ينظر باحترام إلى الشعب الأميركي, لكنهم يشعرون في المقابل بانزعاج متزايد تجاه سياسة بوش الأحادية الجانب التي خلفت وراءها مخاطر جمّ في بقاع كثيرة من الأرض, ذلك النوع من الدبلوماسية بين أميركا واليابان قد يؤثر على أسس التحالف بينهما, طالما أن الحرب ضد الإرهاب تنتشر بشكل أوسع وعلى التوالي نتيجة ذلك يخشى عدد كبير من المسؤولين السياسيين في اليابان بأن تتورط بلادهم في نزعات دامية في أي بقعة من العالم, ومايخشونهخ أيضاً أن يتأثر تزويدهم بالنفط القادم من الشرق الأوسط, وفي حال استمرار الحملة الأميركية الموجهة خصوصاً ضد الإسلام, قلسوف تؤدي محالة إلى صراع الحضارات مع دول إسلامية أخرى وهي كثيرة, ولئن اعتبرت اليابان طرفاً داخلاً في الحملة الأميركية ضد ما أسمته الإرهاب, فإن علاقتها الدبلوماسية مع بلدان إسلامية قوية في القارة الآسيوية مثل أندونيسيا وماليزيا قد تسوء كثيراً ما يؤدي إلى تعريض أمن واستقرار المعابر البحرية مثل مضيق مالقا الحيوي في اليابان لخطر كبير... أما العراق فإنه يثير اليوم وأكثر من أي وقت مضى انتباه العالم أجمع, على حين أن الولايات المتحدة تفشل هناك كما أن شعبيتها تتهاوى سريعاً في كوريا الجنوبية.
في آسيا, تقتصر جهود بوش على مكافحة الإرهاب وتحرير التبادل التجاري دون أدنى اهتمام بالتنمية الاقتصادية والتربية والاستقرار الاجتماعي, ألا يدفع توتر علاقات الإدارة الأميركية الحالية مع كوريا الجنوبية, والاحتقار الذي تتعامل به مع جنوب آسيا إلى خسارة أميركا لأسيان, وبالتالي إلى خسارة آسيا كلها? ثمة سؤال جوهري: هل هذه الظاهرة الكريهة تعزى إلى بوش فقط? في الواقع كان لإدارة كلينتون السابقة اتجاهات أحادية أيضاً, وقد صرح جون كيري مراراً أنه ينبغي على أمريكا استعادة احترام العالم لها لأنها بحاجة له أيضاً فهل هذا ممكن?
وهل تقوى أميركا على اقناع العالم بسياستها واستعادة اعتبارها? إن تركيزها المفرط على مسألة الإرهاب وإهمالها لرؤيتها المستقبلية قد تحد كثيراً من هذا الإقناع..
* بقلم فرانسواز كارتانو