إذا لم يتم التوصل إلى وضع حد لتصاعد أعمال العنف ونشاط الجماعات الإسلامية - المتشددة, فإن حرباً عالمية ثالثة ستقع بلا جدل. إنه يصعب علي فهم أي متاهة من متاهات - البنتاغون - ومؤسسات البحث العلمي في واشنطن, نشأت هذه الفكرة الانطباعية الغربية في عقول أشخاص يتولون مسؤوليات كبيرة ومناصب رفيعة, سواء داخل الحكومة الأمريكية أو خارجها?
الجدير بالذكر أن - هنري كيسنجر - وزير الخارجية الأمريكي الأسبق, كان قد توصل إلى تكهنات شبيهة بتكهنات - أبي زيد - الحالية عندما قال كيسنجر إنه ليس بمقدور الولايات المتحدة تحقيق أي نصر في حربها على العراق, لكن استمرار هذه الحرب أصبح ضرورة لا مفر منها كما قال لكن السؤال الذي يتعين على - أبي زيد - الإجابة عليه هو: من الذي سيخوض هذه الحرب العالمية الثالثة? قد تكون الجماعات الإسلامية ضد الولايات المتحدة الأمريكية, مثل أي بلد من بلدان العالم التي تعلن أنها ضد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية, التي لم يعد لها أي حليف يذكر, ولا سيما بعد اقتراب مغادرة بريطانيا للتحالف الدولي المزعوم الذي أنشأته معها. فهل يجوز أن نطلق على حرب كهذه اسم- حرب عالمية ثالثة?- والصحيح تسمية هذه الحرب ب(حرب التدخلات الأمريكية) الغليظة والفظة في شؤون الدول الأجنبية, بهدف القضاء على حركات سياسية معادية لسياسات الولايات المتحدة, على الرغم من أن تلك الحركات تنال تأييد ودعم جزء كبير من جماهير تلك البلدان المذكورة, وهذا ما نفعله حالياً في العراق ونرى فشله واقعاً واضحاً أمام أعيننا مباشرة, تماماً كما رأينا فشله المرير من قبل, في كل من فيتنام والصومال. ألا نزال نستمر في تكرار مثل هذه التجارب الفاشلة? ولا تستطيع أي من الحركات والبلدان المذكورة, غزو الولايات المتحدة الأمريكية, ولا الإطاحة بحكومة واشنطن ولن يفيد اختطاف الطائرات وتدمير برجي مركز التجارة العالمي ولا الهجوم علينا بوباء الجمرة الخبيثة, ولا الهجوم علينا بغاز الأعصاب في قطار انفاق نيويورك, بل ولا حتى هجوم دولة مارقة علينا بمتفجرات نووية, كل ذلك لن يهز شعرة واحدة في البيت الأبيض, ولن يسفر عن الإطاحة بحكومته, ومهما فعل المتشددون والمتطرفون الإسلاميون, فإنه لن يكون بمقدورهم إجبار الشعب الأمريكي ودفعه عنوة إلى اعتناق الإسلام, كما لن تنجح جميع تلك الأعمال في إحلال الشريعة الإسلامية محل الدستور الأمريكي الراسخ عبر القرون. ولاشك أن - أسامة بن لادن - ورفاقه, هم أذكياء كفاية, لإدراك حقيقة استحالة فوزهم بالنصر في حرب عالمية ثالثة يشعلون نارها.
وأحذر من الاستمرار بعيداً في هذا المنحى في النظر للأمور وهاهم دعاة نظرية - الحرب العالمية الثالثة - يعترضونك قائلين:(انظر... الإرهابيون أمامك) وهم يشددون الآن قبضتهم على العراق وإيران لتأسيس وقيام خلافاتهم الإسلامية هناك, ثم ينطلقون منها لتوسيع نطاق هذه الخلافة بمساعدة الجماهير وتأييدها لهم على الصعيد الاقليمي بكامله وصولاً إلى الأردن وسورية فتركيا ثم إلى العربية السعودية ومنها إلى مصر والسودان وصولاً إلى دول المغرب العربي في أقصى الشمال الافريقي. إن حدود هذه الخلافة الإسلامية الجديدة لن تقتصر على نطاق الشرق الأوسط وحده, بل ستكون هناك دول اوروبا الغربية الضعيفة والرخوة بسبب رغد العيش وسهولة نظام الرعاية الاجتماعية السائد فيها, ثم إنها حكومات وأنظمة تبقى تنهشها من الداخل الأقليات المسلحة المهاجرة إليها, إلى أن يأتي اليوم الذي ترضخ فيه أو تمالىء أسامة بن لادن, فيتحول الاوروبيون بذلك إلى أورو - عربيين والقارة بأسرها إلى قارة أورو -عربية, هذا هو السيناريو - العبقري - الذي جادت به قريحة أحد منظري واشنطن أخيراً. وبهذا تكون أمريكا قد تركت وحيدة مكشوفة في العراء لتواجه بعزلتها هذا الخطر( الإرهابي الإسلامي-!) وبفعل تأثير هذه - الفنتازيا - الخيالية الغريبة العجيبة, خاطب قائد العمليات العسكرية ورئيس القيادة المركزية الأمريكية في العراق - جون أبي زيد - مستمعيه في تلك المحاضرة في جامعة هارفارد ( يجب عليكم أن تتدبروا أموركم اليوم, وتغتنموا هذه الفرصة السانحة للاستعداد, كما استعد غيركم لمواجهة الفاشية عام 1920م.
وهذه - فنتازيا Fantasy - أخرى تضليل وأكاذيب وترويج غير مسؤول للمعلومات المغلوطة.
ولم يكن هناك أي شيء كان على المجتمع الدولي مواجهته في عام 1920 في الأساس, حيث الحزب الفاشي نفسه لم ينشأ إلا في عام ,1921 ولم يستطع موسوليني تشكيل حكومته حتى عام ,1923 وما تبع ذلك من إطراء ومديح أمريكي وبريطاني على روحها وكفاءتها, كما قيل! ويجب أن نقول لدعاة ومنظري - الحرب العالمية الثالثة - سواء كانوا في البنتاغون أو في أروقة الإدارة أو خارجها, كما هو حال كيسنجر نقول لهم كفاكم أوهاماً وخزعبلات وترهات. فأنتم في ترويجكم لهذه الفكرة الخيالية الفجة, تصدرون قراءة خاطئة, تهول من حجم الخطر الذي تنسبونه إلى أقلية إسلامية. متطرفة - لا تمثل سوى قطرة في محيط إسلامي واسع, ينتمي إليه حوالي مليار مسلم في جميع أنحاء العالم.