وبعيداً عن المستوى التواصلي مع الآخرين ما هي طاقة الاستقلاب الممكنة لأي مشروع ترجمة وطني?
وأسمح لنفسي ان اطرح سؤالاً ثالثاً بات مكروراً حتى انمحت معاني كلماته وصارت مجرد زخرفات حروف: ما هي الرؤية او الاصح, هل هناك رؤية ترسم معالم مشروع الترجمة الوطني الذي تأسس في الهيئة العامة للكتاب?
لا أريد هنا ان أعطي إجابات جاهزة على الاسئلة السابقة لأن المجال لا يتسع للبرهان عليها, لكني سأنوه الى خطورة التعامل مع مثل هذا المشروع بأسلوب انتقائي عشوائي بحيث تكون ألغام العفوية والارتجالية في انتظار السائرين على دروبه. لأن المسألة لاتتعلق بترجمة كتاب جيد هنا وكتاب مهم هناك ولا تتعلق بالاحتياجات الآنية للقلة الباقية من القراء, بل تتعلق بالاحتياجات المستقبلية التي تدور رحى صراعاتها اليوم وهنا في التركيبة المجتمعية برمتها .
ثمة سياق انقلابي على المنجز الحضاري المرتبط بالعلاقة مع المنجز التاريخي لأوروبا تحت ستار التأصيل.
ثمة سياق انعزالي يرفض منطق الحوار مع الخارج ثقافياً وحضارياً مسقطاً المنطق ذاته على كينونته اولاً وعلى كينونة مجتمعه ثانيا معرضاً بذلك الوجود الوطني لخطر التفتت ولصراعات قروسطية تعكس اتجاه الصيرورة التاريخية .
ثمة سياق ذهاني او فصامي يفصل ما بين المنجز المادي والمنجز المعرفي للآخر, يستهلك الاول ويدين الثاني, لا يميز بين الآني السياسي وبين الاستراتيجي التاريخي, الثقافي والمعرفي.
واذا كانت السياقات الآنفة الذكر ترتبط بالرؤية,فإن البعد العلمي الاهم لهذا المشروع يتعلق اولاً بجسر الهوة بين الحد الحضاري للنتاج الثقافي العالمي وبين تخلفنا عن مواكبة التواصل معه ويتعلق ثانياً بالتنافس مع مشروعات عربية اخرى خطت طريقها بطريقة منهجية مدروسة واشتد عودها, مما قد يطرح علينا مشكلة التنافس والتكامل معها, مشكلة تحديد الاتجاهات والتوجهات المتوافقة او المتعارضة. الاهم من كل ذلك, هل نمتلك الكفاءات البشرية لانجاز مثل هذا المشروع وهل سيوجد اشخاص لهم مصلحة حقيقية آنية ومستقبلية لتبني هذا المشروع والاهتمام فيه ?
الاجابة لحسن الحظ نعم, لكن للأسف, مثل كل مشاريعنا الاخرى يواجهه خطر الاحتواء والافراغ من المحتوى من قبل النظم الادارية المتكلسة التي تفرز اصحاب مصالح ضيقة مستعدة لاجهاض أي مشروع لأنها هي ذاتها التي تتقدمه نحو الفخ .