وقالت الدكتورة العطار في كلمة ألقتها خلال افتتاح المؤتمر انه يشكل فرصة ثمينة تتيح لنا أن نتدارس الوضع العربي بعامة وهمنا المشترك المرتبط بالمصير العربي والضرورة الملحة لتجديد الفكر القومي كخيار أساس في تحقيق نقلة واعية تنويرية تثويرية مشيرة الى أن الأمة العربية لم تعرف وضعاً مشابهاً لوضعها الراهن اليوم بالرغم مما يتوفر لها من أسباب النهوض إلا في بعض مراحل تاريخها.
وأوضحت الدكتورة العطار أن اللعبة ا لاميركية الاسرائيلية التي تؤدي دوراً رئيسياً في الانهيار المتحقق على أرضنا تزداد عتواً باتجاه الهيمنة والاستلاب وبسط النفوذ والتحكم بمصائر شعبنا واننا نواجه خطر هيمنة ذات انماط فكرية وسلوكية تروج وتنجح أحياناً للعنصرية والتفرقة الدينية والعنف والجريمة.
كما أشارت الى ان بدعة النظام الشرق أوسطي الحاضن لاسرائيل الذي يعملون له يشكل خطراً بالغاً على القومية العربية وجامعتنا العربية التي يسعون الى إحلال الشرق أوسطية مكانها مؤكدة أن الخطرالصهيوني هوأكثر الاخطار عمقاً وشراسة وتعقيداً بسبب انه عرقي وعنصري وأن تاريخ اسرائىل على أرضنا هو تاريخ المجازر الهمجية.
واضافت نائب رئيس الجهمورية: لقد استطاع مشروع النهضة العربية الذي بدأ يرى النور في نهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين ان يبدل وجه الحياة في تلك المرحلة وان يرسم ملامح المشروع القومي الذي انطلق من السعي الى التحرير والحرية والتوحيد والتثوير واحياء اللغة العربية وانماء الثقافة العربية والثورة على كل ماهو متخلف وعقيم وشد اواصر العروبة ايمانا بوحدة الأمة لانقاش فيه او حوله ثم كان بعد ذلك الجمود والانكفاء والتوقف ثم التراجع, الى ان وجدنا أنفسنا مع نهايات القرن العشرين ومطالع القرن الواحد والعشرين نعود الى مواقعنا في نقاط البداية وندعو الى مادعونا اليه من قضايا كانت سبيلنا الى النهضة مع فارق كبير هو أن التقبل للافكار المطروحة في البدايات كان كبيراً.
وتابعت القول ولأننا لا نريد أن ننطلق من الاتكاء على منطق التآمر والمؤامرة وهما أمر واقع دون شك ولا أن نحمل خسائرنا بل هزائمنا وتشرذمنا وانكسار أحلامنا واستسلام البعض منا وتقديمهم التنازلات بعد التنازلات للظروف الخارجية والضغوط الخارجية وحدها, ولأننا نريد أن نكون على مستوى التحدي, آمناء على حقوقنا وثوابتنا لا نفرط بها ونرسم ملامح مستقبلنا فقد كان ملحاً أن نعيد وهج الحياة الى بنياننا القومي بالسعي الى خلق بيئة ثقافية للتغيير على بساط الفكر والى رسم مسارات الاستنهاض التي تنتقل بنا من حال القلق والتخوف والنكوص والانفعال السلبي الى رسم الاستراتيجيات الذكية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاقليمية والدفاعية.
واعتبرت الدكتورة العطار ان لقاء اليوم الذي يأتي على اسم تجديد الفكر القومي والمصير العربي يأتي بالضرورة على اسم ثوابت الأمة ويعني فيما يعنيه ان ارادة المقاومة والصمود تستعلي مهما اشتدت المحن وأن عزائمنا ستبقى منضفرة متجاوزة لا تقبل الهزيمة أو الانكفاء أو الاستسلام مؤكدة أن هذا المؤتمر الذي يضم نخبة من مفكري وكتاب الوطن العربي سيشكل خطوة بناءة تتبعها خطوات تصحح ماانقلب من مفاهيم وترسم ما ينبغي أن يستجد من رؤى وتنهي حال التعثر والجمود وتضعنا بالرأي الجميع على الطريق الصحيح انطلاقاً من أن الفكر سلاح ونحن نريده لصالح أمتنا وأنتم أصحاب القضية وأنتم المؤتمنون عليها وقطعاً لن تفرطوا بها.
وشددت نائب رئىس الجمهورية على أن قضية المصير ليست في معرض الخيارات مهما تبلبلت المفاهيم وتردت وقالت ان مصير الأمة هو الذي ينبغي أن يكون له الأولوية في مساحة اهتماماتنا ومدار قراراتنا وفي معارك المصير لايسمح أبداً باعطاء أي فرصة للاستفراد بهذا البلد أوذاك.
وعبرت الدكتورة العطار عن ملء الثقة أن يكون المؤتمر منبراً للفكر المتألق والمتفتح والمنفتح بنظرته الشمولية وبمداليلها البعيدة الأغوار على فضاءات العصر بما يسهم في تحقيق النقلة من مراحل الجمود والتخلف الى آفاق النهوض والتطور والتقدم.
بعد ذلك بدأت فعاليات ا لمؤتمر بجلسة نقاش أولى تحت عنوان تجديد الفكر القومي والوحدة العربية ترأسها الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الاسبق وبمشاركة المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة والدكتور مطاع صفدي والدكتور خلف الجراد مقرراً.
وأكد الحص في كلمة له على الدور القومي لسورية في احياء التضامن العربي وفي جمع المثقفين والمفكرين العرب واستضافتها لفعاليات هذا المؤتمر الفكري. وقال ان الحديث عن القومية عموماً والقومية العربية خصوصاً لا يستقيم في كنف واقع يتنامى فيه مدّ العولمة مع التمسك بمفهوم ضيق للقومية يشي بالقوقعة او الانفراد او العزلة, مشيراً الى ان الفكر القومي العربي مادة مطروحة دوماً على طاولة الحوار والنقاش والبحث والتنقيب والتطوير.
وشدد على ضرورة العمل على تحقيق اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي ومن ثم الخوض في تجارب الاصلاح على صعيد التطوير الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
اما المفكر العربي عزمي بشارة فقال ان هناك فرقاً بين القومية وتجلياتها كثقافة وسياسة وكظاهرة اجتماعية وبين نظرية القومية التي تبحث في ماهية القومية بما في ذلك الاساطير التي تقوم عليها, مشيراً الى ان القومية العربية هي جامع ثقافي من الدرجة الاولى يقوم على اللغة المشتركة وجامع سياسي وتعبير عن تطلعات سياسية لها تاريخ حديث وقديم, والقومية العربية ليست مجرد حالة رومانسية بل حاجة عملية ماسة وبراغماتية في الوصول ليس فقط الى مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي بل ايضاً لتزويد المواطن بهوية ثقافية جامعة. وقدم الدكتور مطاع صفدي مداخلة بعنوان من أسئلة البزوغ والأفول حول المشروع النهضوي العربي في حقبته الثانية, عرض فيها واقع العرب الراهن وما آل اليه في المرحلة الموصوفة بالتحرر من الاستعمار الغربي معتبراً أنها تمثل الحقبة الثانية بعد بوادر النهضة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر والتي انتهت بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية وانتقال الوطن العربي من التبعية التركية الى الاستعمار الغربي.
وأشار الى أن التجربة العربية في العصر الحديث غصت بالشعارات الخلاصية لكنها في الوقت عينه متخمة بالخيبات.
وتقدم عدد من المشاركين بمداخلات اغنت الحوار ولفتت الى الجوانب الايجابية في الواقع العربي بالرغم من حالة التشرذم والانقسام مشيرين الى انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية على العدو الاسرائيلي والتخبط الذي يعيشه المشروع الاميركي في المنطقة.
ثم تابع المؤتمر فعالىاته بجلسة ثانية حملت عنوان الفكر القومي العربي ومسألة الهوية برئاسة الدكتور عبد الله عبد الدايم ومشاركة كل من الدكتور علي محافظة من الاردن والدكتور عبد الاله بلقزيز من المغرب .
وتحدث الدكتور عبد الدايم حول مسألة الهوية في الفكر القومي العربي مؤكدا ان المشكلة ليست في البحث عن الهوية وانما في تجديدها وتوجيه العمل مستقبلا في سبيل تأكيد هذه الهوية واحيائها.
وأوضح ان مختلف النظريات والافكار المتصلة بالهوية تدور حول موضوع أساسي هو التراث الثقافي الواسع بالمعنى المادي الذي يجمع افراد الامة والذي اصبح مع الزمن شعوراً وشعاراً لوحدتهم مؤكدا ضرورة التعمق في هذا الجانب لان الثقافة التي تكون الهوية لا تستطيع تحقيق ذلك الا اذا كانت محركة للحاضر للانطلاق الى بناء المستقبل.
وقدم الدكتور علي محافظة مداخلة ضمنها مختلف النظريات المطروحة من قبل مفكرين عرب حول الهوية متناولا الهوية القومية ومناهج دراستها والمفهوم السوسيولوجي التاريخي للهوية القومية والهوية العربية والخصوصيات المحلية. ورأى محافظة ان العرب لا يعيشون ازمة هوية وان كانت الهوية العربية تتعرض لهجمات وضغوط خارجية وداخلية شديدة مع دخول نظام العولمة الاقتصادية.
وقدم الدكتور عبد الاله بلقزيز في ورقته عناصر اجابات مسكونة بالسؤال بغية اخراج الهوية من بداهات التقليدية ومن ثم عرضها على الفكر النقدي متسائلا, ماذا نعني بالهوية العربية بعيدا عن الدىن دون ان يستبعد دوره في تشكيل الشخصية العربية.
ونبه بلقزيز في الحديث النقدي للهوية الى امرين مترابطين اولهما اعادة فحص مفهومنا للهوية في مختبر السياسة والمصلحة في افق اعادة صوغه من جديد بالتناسب مع المعايير الحديثة والامر الثاني ان جوهر عناصر المشروع القومي العربي هي مسألة الوحدة العربية وبناء الدولة القومية الحديثة مؤكدا ضرورة اعادة النظر في مسلماتها التقليدية الموروثة و لاسيما علاقة الوحدة بالهوية . وقال اننا نناضل من اجل الوحدة العربية ليس لان هويتنا عربية او لان روابط تجمعنا كاللغة والثقافة والتاريخ وانما لان المصلحة الحاضرة تفرض علىنا خيار الوحدة فهي حاجة مستمدة من ضغوط الحاضر وتحديات المستقبل والمصير.
واعقب الجلسة مداولات مطولة من المشاركين فتحت باب النقاش من وجهات نظر فكرية متعددة حول اهمية تجديد الفكر العربي وماهية العروبة والهوية وجوهر القومية والاشكالىات في مفاهيم الانتماء .
وأكد المشاركون ضرورة الانتقال من مرحلة البحث النظري الى الواقع العملي والربط بين الفكر القومي واعادة تجديد الهوية وتحقيق مشروع نهضوي تنموي ديمقراطي لرسم ملامح الهوية العربية.
وقد استأنف المؤتمر اعماله مساء أمس في فندق الشام بالجلسة الثالثة بعنوان القطر والطريق الى الدولة الامة برئاسة الدكتور محمود السيد ومشاركة كل من الدكتور احمد برقاوي والدكتور رغيد الصلح من لبنان.
وقال السيد في بداية الجلسة ان الثقافة العربية هضمت الثقافات الاخرى واحترمتها واقتبست منها فاسبغت علىها الطابع العربي ثم ابدعت وابتكرت وقدمت خلاصة تجربتها للآخرين وعلى امتداد الدولة العربية كان المواطنون يتنقلون فيها من دون جوازات سفر بين البلدان.
وقدم الدكتور احمد برقاوي مداخلة بعنوان مأزق الدولة القطرية اكد فيها استحالة وجود الدولة القطرية ولا معقوليتها في حين ان الدولة الامة تعني ترابط حدين اذ لا وجود للدولة بمعزل عن الامة.
وركز الدكتور رغيد الصلح على ثلاثة عناصر اساسية في مداخلته وهي القطر والدولة, الامة والانتقال من الاولى للثانية ورأى ان الدولة القطرية هي في التفكير القومي العربي الكلاسيكي وليدة معاهدة سايكس بيكو التي تمت خلال الحرب العالمية الاولى.
واضاف لقد تغيرت النظرة الى الدولة العربية القائمة فتحولت من دولة قطرية الى دولة وطنية ولم تتحول الى دولة قومية لان هذا التوصيف بقي محجوزا لدولة الوحدة العربية وهذا ما يكسب الدولة الوطنية مشروعيتها.
هذا وقد اختتمت فعاليات اليوم الأول من المؤتمر بجلسة رابعة تحت عنوان الديمقراطية والمواطنة في الوعي القومي برئاسة الدكتور حسن نافعة من مصر ومشاركة كل من الدكتور حسن جوني من لبنان والدكتور فاضل الربيعي من العراق. وتناولت المدخلات خلال الجلسة قضية الديمقراطية في العالم العربي مبينة أن هناك خلطا بين الحريات والديمقراطية وان الديمقراطية التي يطرحها الغرب اصبحت مفهوماً جامداً وعلى العالم العربي ان يهضمها ويتم التهديد.. اما ان تكون ديمقراطياً أو يأتي من يفرضها عليك.