وبقدر تنافر أو تقارب رؤى هذه القوى يتحدد مستقبل هذا الصراع، وخاصة أننا نشهد الآن تغيرات كبيرة ومتسارعة على المسرح الدولي تتمثل في تسلم إدارة أمريكية جديدة لمقاليد الحكم في واشنطن بقيادة الرئيس أوباما وتسلم الإرهابي بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة العدو الصهيوني فما هذه الرؤى، وما مدى مصداقيتها تجاه حل الصراع العربي الصهيوني حلاً عادلاً شاملاً؟
مع قدوم الرئيس أوباما إلى سدة البيت الأبيض تملك الكثيرون الأمل بسلوك الإدارة الأمريكية سياسة متوازنة للتعويض عما ألحقته بها السياسة الرعناء للرئيس دبليو جورج بوش من جهة ولما يتمتع به الرئيس أوباما من قيم ومثل أعلن عنها منذ عام 2006م في كتابه «جرأة الأمل» ،مع علمنا أن الرئيس الأمريكي لايملك عصا سحرية تستطيع أن تقلب رأس النظام الرأسمالي الإمبريالي بين ليلة وضحاها إلى جانب كونه ممثل سياسة وليس صانع سياسة في معظم الأوقات، فالرئيس أوباما يؤمن كما أعلن بقيم ومثل تتقاطع بشكل كبير مع آمال وطموحات الشعوب وفي مقدمها:
سيادة القانون والحوار بين الشعوب وعدم التدخل في شؤونها ويؤكد أن القيم يجب أن تختبر من خلال الوقائع والتجارب، ويبقى الحكم على الأقوال من خلال الأفعال وفي الواقع قد يستطيع الرئيس أوباما تحقيق أحلامه على الصعيد الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن مايتعلق بالعالم الآخر قد تعترضه صعوبات كبيرة حيث تواجهه قوى في الداخل متمثلة في أصحاب شركات النفط وصناعة السلاح، والتيارات الدينية المؤمنة بالتلمودية الصهيونية المتحالفة مع الصهيونية العالمية التي ستحاول عرقلة أي خطوة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، ويجب ألا يأخذنا التفاؤل بعيداً فيما سيفعله الرئيس أوباما تجاه هذا الصراع حيث مازالت مواقفه كسابقيه من الرؤساء الأمريكيين من تأكيد التزام واشنطن بأمن «إسرائيل» ومطالبة العرب بالاعتراف بهذا الكيان والتخلي عن نهج المقاومة والدعوة إلى إقامة دولتين في فلسطين لم تحدد حجمها وطبيعتها.
فالذي تغير هو الأسلوب في الخطاب أما الجوهر فبقي كما هو فالمساعدات مازالت تتدفق، ودعم برنامج الصواريخ يسير بدعم كبير، ولم يشر إلى جرائم الكيان الصهيوني في غزة ومجازرها المشينة ومايحسب له أنه لام ودعا إسرائيل لإيقاف الاستيطان بشروط وتأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتناسى امتلاك اسرائيل مئات الرؤوس النووية.
أما منظور الكيان العنصري الصهيوني للصراع كما تدل السياسة العنصرية الصهيونية، فإن هذا الكيان يريد الهيمنة والسيطرة والنهب والإبقاء على اغتصاب حقوق شعبنا العربي الفلسطيني وعدم الاعتراف بحق العودة وتقرير المصير وعدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وأن يأتي العرب مجتمعين لتوقيع صك تخليهم عن حقوقهم وأرضهم ومقدساتهم، فها هي السياسة الصهيونية تمارس الحصار والقتل والتدمير على شعبنا العربي الفلسطيني وتمارس القهر على أبناء الجولان العربي السوري، وتستمر في احتلال الأراضي اللبنانية وغيرها وتعمل لبناء دولة عنصرية على أساس ديني، أي دولة يهودية.
أما المنظور الأهم، والذي يتوقف عليه مستقبل وجودنا العربي فهو المنظور العربي للصراع وطبيعة التعامل معه.
فما يؤسف له أنه بالرغم من مرور أكثر من ستين عاماً على احتلال فلسطين جوهر الصراع العربي الصهيوني فلا يزال العرب منقسمين ومختلفين على من هو عدوهم ومن هو صديقهم، والأخطر من ذلك أن البعض قد انتقل إلى إقامة علاقات صداقة وتعاون والبعض الآخر اعتبر نفسه وسيطاً أو حيادياً وتحول آخرون إلى متفرجين على قتل أطفال ونساء وشباب وشيوخ هذه الأمة، ولكن مايدعو للأمل والثقة بالنفس هو تنامي الحس القومي والمقاوم عند أبناء الشعب العربي الذي اختار نهج المقاومة والصمود طريقاً لتحرير الأرض واستعادة الحقوق وصون الكرامة، وبدأت انتصارات المقاومة تؤكد حقيقة ومصداقية هذا الخيار الذي أثبت عبر التاريخ أنه الخيار الأنجع لعودة الحق لأصحابه.
إن الرؤية الموضوعية تحتم علينا أن نرى أن الرئيس الأمريكي يقود دولة رأسمالية امبريالية يعمل من أجل مصلحة الامبراطورية الأمريكية تحكمه مصلحة أمريكية من الدرجة الأولى وهو ليس قديساً قادماً من السماء بل ينتمي إلى حزب أمريكي تسلم السلطة في الولايات المتحدة مرات عديدة وعانينا منه الكثير من المصائب وكان على الدوام داعماً للكيان الصهيوني بشكل كبير.
على أي حال فإن مستقبل الأمة العربية وحقوقها يعتمد بشكل أساسي على قوتها الذاتية وخياراتها الواضحة والصادقة والتي أثبت تاريخ البشرية صدقها ونجاعتها وفي مقدمتها: المقاومة والصمود اللتان ترسختا في وجدان الشعب وأضحتا خياراً شعبياً راسخاً إلى جانب التسلح بالعلم والعقيدة والتمسك بثوابت الأمة المعبرة عن حضارة هذه الأمة التي لم تنم يوماً على ضيم ولم تتخلَ عن حق، والثقة أن الحق منتصر مهما طال ليل الظلم والعدوان والاحتلال وكيانه زائل لامحالة.