فالسبب يعود إلى تأثير ( مؤقت) تركه خطاب الرئيس الأميركي أوباما الموجه للعرب والمسلمين- من القاهرة- وقبل خطاب نتنياهو بعشرة أيام فقط. بيد أن المفاجأة التي طوحت بصواب بعض المراهنين على تغيير دراماتيكي في( الإيديولوجية الصهيونية) من حيث توقع الأثر الإيجابي لإدارة وسياسة الرئيس الأميركي الجديدة، هو بالتحديد ترحيب الإدارة الأميركية بالخطاب، والتوقف عند كلمة (الدولة).
لقد ذكر ( الدولة)، هكذا قال الناطقون الرسميون باسم البيت الأبيض وتبعهم الناطقون الرسميون باسم الإليزيه وحتى المجموعة الأوروبية وتركوا كل ما جاء في الخطاب من أكاذيب وآراء وأفكار ومواقف عنصرية وتوسعية وعدوانية.
والأعجب أنهم ما قرؤوا تفاصيل عن هذه المسماة (دولة) في الخطاب ذاته، من حيث:
أولا: تجاهل نتنياهو جميع القرارات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني- ومنها المبادرة العربية للسلام- والرباعية الدولية- إياها- واتفاقية أوسلو- على سوئها- وبالطبع (خريطة الطريق وأنابوليس) بوضوح شديد نسف كل أسس ومرجعيات امكانية التوصل إلى سلام عادل- في خطاب عنوانه ( السلام)- بما عنى ( الاستسلام).
ثانيا: كل المقترحات والآراء المطروحة كانت تحت شرط ان يوافق الفلسطينيون ( ومعهم العرب بالطبع) على ان ( اسرائيل دولة لليهود)، ما يعني في ابسط التوابع السماح للمحتلين بطرد مليون واربعمئة ألف عربي فلسطيني من ارضهم التي ظلوا متجذرين وملتحمين فيها- حتى بعد قيام الكيان الصهيوني الغاصب.
ثالثا: اشترط نتنياهو الإبقاء على المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية ( وهي تضم أكثر من نصف مليون مستوطن عنصري متعطش للدم والعنف والتدمير والإقصاء) وفي الحال كانت صورة ( الدولة تتبدى تماما) أن يكون الفلسطينيون في الضفة تحت سيادة المحتلين الصهاينة- ولديهم (شرطة) من غير سلاح- ولكن المحتل الغازي يمن عليهم بأن يسمح لهم- في المدارس- برفع علمهم وانشاد نشيدهم ( الوطني).. هكذا تكون ( الدولة وإلا فلا.. لا)!
رابعا: قال نتنياهو إن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون خارج (حدود اسرائيل)- ولما كانت حدود (إسرائيل) غير مرسّمه حتى اليوم فالحقوا ايها الفلسطينيون والعرب (حدود أمن إسرائيل) وهي الكرة الأرضية كلها- وفي الحد الأدنى ( من الفرات إلى النيل) ، ما يعني بالتالي التوطين أو (البحث عن وطن بديل).
خامسا: أما القدس( فهي تبقى العاصمة الأبدية الموحدة للدولة اليهودية). فأين مشروع السلام الذي لقي ترحيبا اوروبيا واميركيا؟
وحتى الدولة في الصورة التي رسمها نتنياهو- وهي أقل من حكم ذاتي- وأحط من إقليم- واصغر من عشر ارض العرب الفلسطينيين- فلسطين- فهي مشروطة بإعلان قبول عربي واسلامي وفلسطيني ايضا بأن يتم انشاء تحالف ضد الخطر الذي يهدد أمن العالم عامة وأمن العرب (واسرائيل) خاصة- أي ايران.
الاستهانة بالعقلية العربية، وبالإرادة العربية والفلسطينية اكثر من واضحة في كل كلمة من كلمات خطاب العنصرية والجهالة والى درجة انه قلب التاريخ وجعل( القرون الثلاثة حسب قراءته التزويرية) اعمق وأطول واقوى وأكثر قدرة على ان تكون على حق من سبعة آلاف عام. فهو زعم ان فلسطين كانت دائما ( يهودية ) وحتى في القرن العشرين- وان المشكلة بدأت برفض الفلسطينيين والعرب عموما دولة ( اليهود). من هنا يتصور الجاهل ان اليهود كانوا في فلسطين في بدايات القرن العشرين مئات الألوف أو ربما بالملايين وان الفلسطينيين غزوا ارض اليهود وشكلوا المنظمات الارهابية لتمارس الارهاب ضدهم، هذه الاستهانة قلبت حقيقة قالت ان اليهود الذين كانوا في فلسطين مع بداية القرن العشرين كانوا اربعة آلاف شخص فقط.
أما التزوير وقلب الحقائق والافتراء والاستعلاء فان على الفلسطينيين ان يقدموا عليها الجواب ( الموحد والمشترك) المنطلق من الثوابت الوطنية الاساسية- في حدها الأدنى - على الأقل مع إعلان تمسكهم بحقهم المشروع في المقاومة كون وطنهم محتلا من العصابات الصهيونية العنصرية.. بل ان الخطاب الصهيوني قد فتح مجالا اوسع امام الشعب الفلسطيني ليمارس حقه في المقاومة.
أما الواجب العربي فهو خطير وضروري من منطلق أن نتنياهو ومن أيده قد مزقوا ليس فقط القرارات الأممية وليس فقط المبادرة العربية للسلام، بل هم اعدموا (مسار السلام) الذي بدأ قبل سبعة عشر عاما في (مدريد).
خيارات العرب كثيرة شرط أن يتفقوا لكن فقط بعد أن يتم إعلان اتفاق الفلسطينيين وعودتهم إلى وحدتهم الوطنية. سوى ذلك ستظل حقوقنا تتناقص وتتآكل وتتقزم حتى نصل إلى مرحلة عجزنا عن رؤيتها وإن تحت المجهر.
nawafabulhaija@yahoo.com