والتي تدور بين دنيس بلير مدير الاستخبارات القومية وليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية.
في 19 الشهر الماضي أصدر بلير الذي يفضل الإدارة بأسلوب التسلسل القيادي مذكرة يرى فيها أنه الاحق فى تعيين ممثلين له فى الخارج من غير ضباط الوكالة، في حين يرى بانيتا أن هذه المسألة المثيرة للجدل لا تزال قيد المراجعة في البيت الأبيض، لذلك فقد أرسل برقية في اليوم التالي تطلب من مديري المحطات تجاهل قرار بلير الى أن يحسم مجلس الأمن القومي هذه المسألة. لكن بلير واصل هجومه معتبرا تصرفات بانيتا نوعا من العصيان.
واذا شئنا تخيل رد فعل الرئيس اوباما ازاء هذا الصراع بين رئيسي مؤسستي التجسس لديه فالأرجح انه سوف يصرخ بهما : اصمتوا وأمهلوني بعض الوقت. وحسب معلوماتي فإن البيت الأبيض منزعج من بلير وبانيتا على حد سواء ولم تحظ مذكرة أي منهما بموافقة مستشار الأمن القومي جيم جونز قبل إرسالها وأنه يبحث الآن عن طرق لإعادة الامور الى نصابها قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.
وهذه المعركة البيروقراطية التي خرجت الى العلن قد تكون لها فوائد في نهاية المطاف لو أنها دفعت البيت الأبيض إلى توضيح ملابسات عملية إعادة التنظيم التي أدت إلى استحداث منصب مدير الاستخبارات القومية عام 2005. والتقسيم السليم للعمل يقضي بترك إدارة العمليات لوكالة الاستخبارات المركزية التي تختار الأشخاص الذين سيكونون صلة الوصل بين الولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات الأجنبية. ورغم ان بلير يستطيع نظريا تحدي هذا الحق الحصري لكنه كان مخطئا عندما تحداه بالفعل. فهذا عمل وكالة الاستخبارات المركزية، ليس بحكم العادة فقط ، بل لأن هذا ما يقتضيه الحس السليم كذلك. وعلى بلير أن يفهم ذلك ويتراجع عن موقفه.
وبموازاة ذلك ينبغي على وكالة الاستخبارات القبول بأن دنيس بلير هو حقيقة مستشار الرئيس للشؤون الاستخباراتية، وهو تالياً يشرف بحكم منصبه كمدير الاستخبارات القومية على المتابعة اليومية لنشاط الفرع التنفيذي.وهذا يعني انتقال الدور الذى كان يتولاه تقليدياً محللو الوكالة إلى مدير الاستخبارات القومية ليصبح لدينا نخبة من المحللين الملمين كأولئك الذين تضمهم اللجنة البريطانية المشتركة للاستخبارات. ولذلك على ليون بانيتا أن يقبل بهذا التقليص لمنطقة نفوذ الوكالة.
إن المشكلة نشأت بفعل إعادة تنظيم جهاز الاستخبارات وهي عملية تطلبت استحداث منصب مدير الاستخبارات القومية نظرياً لتفادي إخفاقات الاستخبارات كما حصل في هجمات الحادي عشر من أيلول. لقد كانت إعادة التنظيم فكرة سيئة منذ البداية، وأوجدت طبقات بيروقراطية لا عمل لها. فرئاسة الاستخبارات القومية تضم الآن حوالي 1500 شخص يكررون فى جانب من عملهم المهام التى اعتادت وكالة الاستخبارات القيام بها. والأسوأ هو أن إعادة التنظيم زادت من التوترات البيروقراطية التي كان ينبغي تجنبها.
ولكي نفهم هذا الالتباس،ينبغي العودة الى الخلف حيث بدأ الخلاف حول من يحق له تعيين رؤساء المحطات فى عهد إدارة بوش، وكان بلير على رأس القائمة في هذا الشأن. وضغط مدفوعاً من طاقمه من أجل الحصول على مزيد من السلطة كي يتمكن من إدارة مجتمع الاستخبارات بما في ذلك وكالة الاستخبارات الأمريكية وهذا هو عمله على الورق. لكن حتى الآن، ينفق هو وفريقه كثيرا من الوقت في تقديم صورة عن أنشطة الوكالة. ويقال إن بلير يسعى مثلا إلى إشراف أكبر على المهمات السرية للوكالة.
بدوره بانيتا الذي جرى تعيينه من أجل استرداد المكانة الأخلاقية والسياسية للوكالة التي أضعفتها الضربات المتلاحقة حاول صد بلير وقال (وهو على حق في رأيي) إن الوكالة المركزية للاستخبارات يجب أن تتولى المسؤولية عن العمليات ويدخل فى هذا بالضرورة الإشراف على المهمات السرية للاستخبارات. وبدأت وكالات الاستخبارات الأجنبية تبدي حيرتها بالفعل حول أي الجهتين تتعامل معها، وكالة الاستخبارات المركزية أم رئاسة الاستخبارات القومية.
إن بلير سوف يحاول أكثر ان يكون هو المشرف على رؤساء المحطات، الامر الذي سيزيد الفوضى في هذه العلاقة المتوترة .
والموضوع بات كله اليوم في يد مجلس الأمن القومي. وعلمت ان إدارة الاستخبارات القومية تلقت وعدا بعدم تقويض سلطتها، لكن هناك أيضا تعاطفا فى البيت الأبيض مع جهود بانيتا لرفع معنويات وكالة الاستخبارات الأمريكية.
على البيت الأبيض ألا يفعل فى هذا الصدد أكثر من «إعادة الجني إلى القمقم». والحقيقة هي أن هذا القمقم تحطم في اليوم الذي ولد فيه .
ومن أجل رفع أداء وكالاتنا الاستخباراتية لابد من تحديد المهام بصورة أوضح ، بحيث تتمكن الوكالة من إدارة العمليات ، بينما تتولى الاستخبارات القومية التحليلات والتنسيق بين جهات الاستخبارات. فلا يمكن للبلاد أن تتحمل عبء تواصل هذا الصراع على النفوذ بين الوكالتين.
بقلم:ديفيد اغناتيوس