جراء الضغوط التي تتعرض لها من قبل إدارة أوباما بغية التوقف عن بناء المستوطنات وقيام دولتين تعيشان بسلام في المنطقة، وتلك الضغوط هي التي دعت الوزير يوسي بيليد «العضو في حزب الليكود» إلى اقتراح التوقف عن شراء الطائرات والتجهيزات العسكرية من الولايات المتحدة، وأن تعمد إسرائيل إلى بيع التكنولوجيا الدقيقة لزبائن ترفض الولايات المتحدة التعامل معهم، ودعوة منافسي أميركا للعب دور أكبر في الشرق الأوسط، وقد أشارت صحيفتان إسرائيليتان إلي أن بيليد اقترح أن تستخدم إسرائيل نفوذها لدى الديمقراطيين المؤيدين لها للتأثير على مواقف أوباما، لكن تلك الأقوال لا تعبر في مضمونها إلا عن صلافة بيليد إذ إن الولايات المتحدة قدمت في هذا العام مبلغ 2،5 بليون لإسرائيل كمساعدة عسكرية.
من غير المحتمل أن تلقى مقترحات بيليد آذاناً مصغية من الجهات المعنية في إسرائيل، لكنها تعطي مؤشراً عن القلق الذي تعاني منه الحكومة اليمينية حيال ما تبديه إدارة أوباما من رغبة في قيام دولة فلسطينية تعيش بسلام مع إسرائيل، إلا أن الأمر الذي أثار حفيظة نتنياهو هو ما أبداه أوباما من إصرار وتأكيد ضرورة القيام فوراً بتجميد أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية أي في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 التي تعتبر من قطاع غزة الأساس في تكوين الدولة الفلسطينية ولأن حكومة نتنياهو رفضت منذ تشكيلها صيغة حل الدولتين، واستمرت بتوسيع المستوطنات مدعية قيامها بأعمال البناء ضمن حدود تلك المستوطنات، وبما يتلاءم مع النمو الطبيعي لعدد سكانها، تلك المبررات التي رفضها أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وأكد أوباما رفضها بخطابه الذي ألقاه في القاهرة مؤخراً باعتبارها تقوض مساعي تحقيق السلام، الأمر الذي أوقع نتنياهو في معضلة يصعب حلها لأنه اتفق مع حلفائه في الحكومة على استمرار البناء في المستوطنات القائمة في الأراضي المحتلة.
من الجدير بالذكر ماورد في الإعلام الإسرائيلي أن مساعدي رئيس الحكومة يبدون امتعاضهم من الاقتراحات الأميركية، ويرون أن البيت الأبيض يسعى إلى إحداث مواجهة مع إسرائيل تحقق التخفيف من حدة العداء للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، وهي في هذا السياق تسعى إلى تغيير التركيبة السياسية للحكومة في إسرائيل.
لقد دأب نتنياهو منذ تسلمه السلطة على التكتم في الإعلان عن خططه، لكن لا بد له الآن من أن يكشف عن نياته وخاصة أن استطلاعات الرأي بينت أن أغلبية الإسرائيليين لديهم الرغبة في التخلي عن المستوطنات في الضفة الغربية نظير قيام سلام حقيقي، كما أن أغلبيتهم يرفضون الإساءة للعلاقات مع الولايات المتحدة من أجل الدفاع عما يقوم به المستوطنون من بناء في الأراضي الفلسطينية.
لدى زيارة نتنياهو إلى واشنطن شعر بالصدمة، عندما اتضح له بأن كثيراً من الأصدقاء المقربين من إسرائيل يؤيدون موقف أوباما من المستوطنات, وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأميركي بخطابه الذي ألقاه في القاهرة على الروابط القوية مع إسرائيل وضمان أمنها في بيئة عدائية، لم تفلح تلك الأقوال في إقناع الإسرائيليين بالتوقف عن توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة،علماً بأنه ليس لها سوى دور ضئيل في تحقيق أمن إسرائيل في الوقت الذي تستنزف به الكثير من موارد البلاد، لأن وقف الاستيطان الذي ورد بخريطة الطريق لتحقيق السلام التي أعدتها الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2002 باعتبارها الخطوة الأولى لحل الدولتين لا ترى بها إسرائيل ما يحقق الأمن والسلام، يعتقد نتنياهو أن تحالفاته سوف تنهار إن انصاع إلى متطلبات الإدارة الأميركية لكن ثمة أقوال تشير إلى أن رئيس الحكومة هو من اختار تلك التحالفات مع الأحزاب اليمينية الأكثر تشدداً، في الوقت الذي كان يتعين فيه عليه اختيار حزب كاديما الذي يتوافر لديه عدد كاف من المقاعد في الكنيست تمكنه من الإقرار بحل الدولتين، لكن المشكلة الرئيسية لا تقتصر على موقف شركائه في الحكم. وإنما تنسحب على حزب الليكود الذي يتزعمه والذي سبق له أن أجبر أرئيل شارون على الخروج منه عندما أعلن عن الانسحاب من غزة، ذلك لأن برامج حزب الليكود تعارض بشدة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الرأي العام في إسرائيل يرفض قيام أي مواجهة مع واشنطن وتعتبر وسائل الإعلام وزعيمة المعارضة تسيبي ليفني أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة علاقة استراتيجية مهمة لا يمكن التخلي عنها. من المحتمل أن يقوم نتنياهو بتغيير بعض مواقفه مثل تخفيف الحصار عن قطاع غزة بسماحه بمرور البضائع لتمكين السكان من إعادة بناء ما خربته الحرب، وتأمين احتياجاتهم التي حالت إسرائيل دون وصولها إليهم، كما أنه من المحتمل التخلي عن واحدة أو اثنتين من البؤر الاستيطانية التي بناها المتشددون الإسرائيليون دون تراخيص من الحكومة، وقد تعمد وسائل الإعلام إلى تصوير بعض الصدامات التي تحدث بين المستوطنين والشرطة للإيحاء بأن نتنياهو يتخذ بعض الإجراءات بحق المستوطنين دون أن يعمل فعلاً على وقف البناء تنفيذاً لما طلبته واشنطن وربما أيضاً يعمل على زيادة العمليات العسكرية ضد مقاتلي حماس ليذكر الولايات المتحدة وبالمخاوف الأمنية الإسرائيلية مع كل ما يرغب نتنياهو في تحقيقه فإنه لن يزل لسانه مرة أخرى بتهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليها.
بقلم: توني كارن