المزيج من العامية والألفاظ والعبارات الأجنبية على ألسنة الشباب وهم عاجزون عن تحرير عشر صفحات تحريراً سليماً باللغة العربية والأجنبية وها هي ذي الشركات تعلن عن حاجتها إلى موظفين يتقنون اللغة الأجنبية، وثمة جنوح في مؤسساتنا التعليمية حتى في رياض الأطفال نحو استخدام اللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم، وما قد يبنى في المدرسة تهدمه أطراف أخرى حيث تخاطب الأم في الطبقات المخملية أبناءها باللسان الأجنبي، كما تبنت هذا التوجه ثلة من الإذاعات والفضائيات (فهذه نانسي تغني للأطفال شخبط شخابيط، لخبط لخابيط، يلي بيسمع كلمة أهلوا شو منقلو؟ وأم عصام في مسلسل باب الحارة تقول لزوجها (فشرت)!! أما واجهات المحال التجارية تحتج وتمانع إذا ما طلب إليها استبدال الأجنبية بالعربية إضافة إلى الأخطاء الإملائية والنحوية في لوحات الإعلان (دارك داريها).
تفاخر الناس بغير العربية
يقول د. عبد اللطيف عبيد عضو مجمع اللغة العربية في حفل افتتاح المؤتمر السادس لمجمع اللغة العربية: حالنا اليوم في أنحاء الوطن العربي شبيه أيضاً بما وصفه ابن منظور في مقدمة معجمه (لسان العرب) عن حال زمانه الذي هو «زمن أهله بغير لغته يفخرون وفيه أصبح اللحن في الكلام يعد لحناً مردوداً وصار النطق بالعربية معدوداً». وتفاخر الناس بغير العربية على حد تعبيره.
حركة تهميش نشطة
وإذا ألقينا نظرة على واقع لغتنا العربية فإننا نلاحظ أن دساتير الدول العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة إلا أن الممارسات تدل على أن ثمة هوة بين ماتنص عليه الدساتير وما يطبق على أرض الواقع. ومن كل الاعتبارات السابقة ونظراً لأهمية اللغة في عصرنا الحالي عصر التقانة والمعلوماتية، وفي ظل العولمة حيث تتعرض اللغة الأم لتحديات كثيرة (لحركة تهميش نشطة) وحرصاً من الجمهورية العربية السورية على سلامة اللغة العربية لأجل هذا وذاك صدر القرار الجمهوري رقم 4 تاريخ 26/1/2007 بتشكيل لجنة التمكين للغة العربية والمحافظة عليها والاهتمام بإتقانها والارتقاء بها. وجاء في الكلمة الشاملة للسيد الرئيس بشار الأسد والتي ألقاها أمام مجلس الشعب بمناسبة أدائه اليمين لولاية دستورية جديدة في السابع عشر من تموز عام 2007 «لقد أعطينا في سورية اللغة العربية كل الاهتمام وتبوأت موقعاً رفيعاً في حياتنا الثقافية منذ وقت مبكر.. ومطلوب منا اليوم استكمال جهودنا للنهوض بها لاسيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها وجودنا القومي لمحاولات طمس هويته ومكوناته.. والذي يشكل التمسك باللغة العربية عنواناً للتمسك بهذا الوجود ذاته. ويجب أن نتذكر أن دعمنا لتعلم اللغات الأجنبية للوفاء بمتطلبات التعلم والتواصل الحضاري مع الآخرين ليس بديلاً عن اللغة العربية بل هو محفز إضافي لتمكينها والارتقاء بها».
لا هوية دون لغة ولا وطن دون هوية
وجاء في كلمة للسيد الرئيس بشار الأسد في افتتاحية دمشق عاصمة للثقافة العربية بتاريخ 24/1/2008: «علينا أن نكون فخورين بها، ولا يتحقق فخرنا إلا إذا أغنيناها بالإبداع في كل صنوف المعرفة، فهو يعزز من حيويتها، ومن عالميتها، ويجعلها فاعلة في مسار الوعي الإنساني، فلا هوية دون لغة، ولا وطن دون هوية».
وبناء على القرار الجمهوري رقم 4 لعام 2007 قامت لجنة تمكين اللغة العربية بوضع خطة العمل الوطنية للتمكين للغة العربية.
وبدوره أشار د. المهندس صادق أبو وطفة معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة أن السيد وزير الإدارة المحلية أصدر تعميماً تنفيذياً لخطة العمل الوطنية لتمكين اللغة العربية والحفاظ عليها والاهتمام بإتقانها والارتقاء بها جاء فيه:
1- إلزام المحال التجارية والمحال العامة من مطاعم وفنادق ومقاه وحانات ومقاصف وملاه ومتنزهات، كذلك المؤسسات السياحية والمؤسسات العامة والخاصة باستعمال الكلمات العربية في التسمية ووضع الكلمات الأجنبية بحروف أصغر تحت الكلمات العربية.
2- أن تحرر باللغة العربية المستندات والعقود والمكاتب والعطاءات وغيرها من الوثائق والمراسلات التي تقدم إلى الحكومة والهيئات العامة وإذا كانت هذه الوثائق محررة بالأصل باللغة الأجنبية يجب أن ترفق ترجمتها باللغة العربية ويستثنى من ذلك الهيئات الدبلوماسية الأجنبية والدولية والأفراد الذين لا يقيمون في سورية.
3- ضرورة الحرص على السلامة اللغوية في الكتب والمراسلات وفي دور النشر والطباعة وسائر الجهات المعنية ولابد من تخصيص مدقق لغوي في كل منها، علماً أن مجمع اللغة العربية هو الجهة المسؤولة عن مساعدة أصحاب المحال في تسمية لافتاتها.
4- لا يجوز استبدال الأسماء ذات الصفة التاريخية كأسماء المدن والقرى والمزارع والقلاع وما في حكمها ويجب الحرص على كتابتها بالعربية وكتابتها باللاتينية بخط أصغر مثل (دمشق - حلب).
5- الاحتفاظ بأسماء المؤسسات والشركات التجارية العالمية الكبرى كما هي مثل (شيراتون، هيلتون، تويوتا، بييركاردان) حيث تكتب بالعربية أولاً بشكل بارز ثم بالحرف اللاتيني بشكل أصغر.
6- متابعة تطبيق البند السابق على إعلانات الشوارع والطرقات والساحات.
7- يراعى عند كتابة ما يقابل الكلمات العربية ترجمتها باللاتينية وألا يكون ذلك بشكل حرفي وإنما يجب أن تكتب ترجمتها باللاتينية مثل (فندق تكتب HOTEL وليس FONDOK).
8- يراعى في تسمية الأماكن والمحال أن تكون الأفضلية بشكل مطلق للتسمية العربية لفظاً وكتابة وإذا كان أصل الاسم غير عربي مثل اسم أسرة أو شخص أو مادة مصنعة فيكتب بالعربية كما يلفظ ثم بالحرب اللاتيني بشكل أصغر مثل (ماريا - خوستد فرانسوا - روجيه).
9- يمنع منعاً باتاً وتحت طائلة المسؤولية والعقوبة أن يقتصر الإعلان أو اللوحة على الكتابة بالأحرف اللاتينية فقط مهما كانت التسمية.
10- التركيز على استبعاد اللهجات الدارجة من الإعلانات واللافتات والشاخصات والاستعاضة عنها بالعربية السليمة المبسطة لأن مدلولها يختلف بين مدينة وأخرى.
11- ضرورة التنسيق مع الوزارات المعنية بهذا الشأن، التربية (برامج الأطفال) والإعلام (إعلانات الطرق واللوحات) والثقافة (الأفلام والمسرحيات والأنشطة الثقافية) والسياحة (إعلانات الفنادق والمطاعم ولوائح التعليمات والأطعمة) وغرفة التجارة والصناعة والسياحة.
12- على المستوى الشخصي ألا تكون بطاقة تعريف أي شخص مكتوبة باللغة الأجنبية فقط وأن تكتب بالعربية أيضاً.
13- تسهيل عمل اللجان الفرعية لتمكين اللغة العربية في كل محافظة.
روح العامية بثوب الفصحى
وعن أهم سبل مواجهة التحديات التي تعترض لغتنا قال الدكتور محمود السيد رئيس لجنة تمكين اللغة العربية: الوعي اللغوي للحفاظ على الهوية تخليصاً للجيل من عقدة التصاغر تجاه اللغات الأجنبية وثقافتها، ومن الخطوات الأكثر أهمية في هذا المجال تخصيص مدقق لغوي في الوزارات والمؤسسات التابعة لها من أجل تصحيح الكتب الرسمية كي تكون خالية من التراكيب اللغوية المغلوطة واعتماد دليل (تصحيح الأغلاط الشائعة وقواعد تيسير الإملاء) الصادرين عن مجمع اللغة العربية بدمشق.
وأشار د. السيد إلى ضرورة أن يخضع الحائزون على الشهادة الثانوية والملتحقون بالكليات الجامعية والمعاهد لاختبارات لغوية تقيس مدى إتقانهم تلك الأساسيات، وخاطبت اللجنة وزارة التربية بإلزام جميع المعلمين وفي مراحل التعليم كافة باستخدام اللغة العربية وفي مراحل العملية التعليمية وألا يخضعوا للترقية في وظائفهم إلا إذا أثبتوا إتقانهم أساسيات لغتهم وكذلك إجراء دورات تدريبية لمربيات الأطفال على استخدام العربية المبسطة في رياض الأطفال والإكثار من حفظ نصوص من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر القديم والخطب البلاغية.
وبموجب التعليمات الجديدة على وزاراتي الاقتصاد والسياحة تطبيق التشريعات والقرارات الصادرة بخصوص:
- إلزام المحال التجارية والمؤسسات السياحية والمحال العامة باستعمال الألفاظ العربية وتقوم وزارة الإعلام باستبعاد الكلمات العامية من الإعلانات التي تمنح المؤسسة العربية للإعلان الموافقة عليها واعتماد اللغة الفصيحة مكانها وإذا كانت الإعلانات تشتمل على كلمات أجنبية فتوضع تحت اللغة العربية وبخط أصغر من الكلمات المكتوبة بالعربية، وشملت الخطة رفض الأعمال الدرامية المصوغة باللهجات المحلية وعدم الموافقة على إنتاج هذه الأعمال بالعامية في القطاعين العام والخاص والإكثار من بث البرامج الخاصة بالأطفال والمصوغة بالعربية المبسطة على غرار برنامج (افتح يا سمسم) وتأتي مهمة رفع وتيرة طباعة كتب الأطفال والعناية بإخراجها شكلاً ومضموناً على عاتق وزارة الثقافة، إضافة إلى تعميمها على المراكز الثقافية كافة لإلقاء محاضرات حول تنمية الوعي اللغوي.
لا تراخيص تجارية بأسماء أجنبية
ويؤكد د. السيد أهمية جعل مقرر اللغة العربية متطلباً جامعياً في الجامعات الرسمية والخاصة وفي مختلف التخصصات وهدفت الخطة إلى رفع المستوى اللغوي لخطباء المساجد والكنائس عن طريق (عدم استخدام العامية في الخطب) والتركيز في جانب من الخطب على تنمية الوعي اللغوي كما أكد السيد على الدور الهام لاتحاد الكتاب العرب عن طريق عدم طباعة أي كتاب ما لم تكن لغته العربية على مستوى راق وخالية من الغلط وكذلك دور الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في زيادة المحتوى العربي الرقمي على شبكة الانترنت وبالنسبة لوزارة الاقتصاد لا تراخيص تجارية بأسماء أجنبية.
تقرير عمل لجنة التمكين للغة العربية
كما أردف د. السيد أنا أتألم من عدم الشعور بالمسؤولية تجاه اللغة، أتألم من عدم تطبيق القوانين والأنظمة والتعاميم على أرض الواقع، والتباطؤ في تنفيذ مضمون التعاميم الموجهة بخصوص الحفاظ على اللغة وحمايتها وهناك إيجابيات تدعو للتفاؤل وتبشر بالخير للحفاظ على لغتنا الأم منها إحداث لجان لتمكين اللغة العربية في الوزارات المعنية وإصدار تعميمات من وزارة التربية تدعو المدارس إلى التزام المعلمين باللغة العربية الفصيحة والعناية بالمناشط اللغوية اللاصفية وإجراء مقابلات ولقاءات إذاعية وتلفزيونية حول خطة العمل الوطنية لتمكين اللغة العربية ومتابعة مشروع النهوض بها للتوجه نحو مجتمع المعرفة والإشراف على اجتماع خبراء عقد في دمشق بالتنسيق مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لوضع آليات لتنفيذ المشروع، وقد قدمت سورية إلى القمة العربية التي عقدت في دمشق اقتراحاً بتوجيه لإعلاء شأن اللغة العربية والاهتمام الكافي بها إذ تم اعتمادها بالتوصيات الختامية.
توجيه ٢٦٨٦ إنذاراً وتم معالجة ٢٥٥٣
السيدة ميرنا سعود (دكتوراه في الهندسة وعضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق) أكدت أنه انطلاقاً من أهمية اللغة العربية في حياة الفرد والمجتمع ومن حرص الجمهورية العربية السورية على التمسك باللغة العربية فقد صدر كتاب رئيس مجلس الوزراء والموجه إلى السيد محافظ دمشق رقم 3634 تاريخ 13/5/2007 وقد نص (لما كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الجمهورية، ولما كانت التشريعات النافذة قد أوجبت استعمالها ولإظهار مدينة دمشق بحلتها العربية الأصيلة، العمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإبلاغ أصحاب المحال التجارية كافة بوجوب استعمال الكلمات العربية وبناء على كتاب السيد رئيس مجلس الوزراء صدر قرار محافظ دمشق رقم 5823 تاريخ 8/8/2007 المتضمن تشكيل لجنة برئاسته لاعتماد الإجراءات اللازمة وقامت اللجنة بدراسة المراسيم والتشريعات الناظمة بمساعدة المستشار القانوني في المحافظة وقد رأت أن العديد من التشريعات حصرت التسمية بالكلمات العربية منها المرسوم التشريعي رقم 139 تاريخ 6/11/1952 الذي نص في المادة (1) لا يجوز تسمية المحال العامة والخاصة كالنوادي وغيره.. بأسماء أو بكلمات أعجمية ويجب كتابة أسماء هذه المحال بأحرف عربية ولا مانع من كتابة هذه الأسماء بلفظها العربي بأحرف لاتينية وفي مواده الأخرى نص على العقوبة المقابلة لمخالفة مواد هذا المرسوم وبناء عليه وبالاعتماد على القرار 92/م.د لعام 19٩3 وهو قرار مجلس المحافظة المتضمن العقوبات التي يجب اتخاذها في حالة عدم الكتابة باللغة العربية ثم تمت صياغة نص الإنذار الموجه إلى أصحاب المحال المخالفة وثم توجيهه إلى هذه المحال وثم متابعة تنفيذ الإنذار الموجه تباعاً حيث تم توجيه ٢٦٨٦ إنذاراً لفعاليات تستخدم اللغة الأجنبية وتمت معالجة ٢٥٥٣ إنذار حتى تاريخ ١٠/٦/٢٠٠٩ وبالتالي بلغت نسبة التنفيذ تقريباً ٩٥.٤٪ هذا وإن المعالجة مستمرة للوصول إلى نسبة تنفيذ 100٪ لأن لغتنا جميلة جداً وتحتوي على الكثير من المعاني الجميلة التي نعتز بها.
***
فلاش
تم تقديم ٤٦٢ اعتراضاً درست من قبل اللجنة المختصة، وقبل منها ٣٣٨ بسبب فروع لوكالات أجنبية أو محمية بموجب حماية الملكية.