إنه صحوتنا مثلما غيبوبتنا.. ألقنا مثلما شحوبنا، عافيتنا مثلما اعتلالنا، جنوننا مثلما اتزاننا، بل دهشتنا المتربصة بوعي يصهل في جموحنا، فننطلق به من قاع المحاولة إلى ذاكرة المستحيل... تلك التي ندون على اتساعها مفردات غموضنا شديدة الوضوح في التفسير.
الأحلام.. فصول اشتهاء مهما أمطرت وأحرقت وبعثرت في مآقينا يباس الأمل، تبقى ضوء ليالينا المفتوحة على مدى الانتظار لفجر ربما يزهر بإشعاعات خفية.
إنها رغبتنا الصاحية والمستلقية على حدود الأرق يوسوس بالقهر والحرمان والفقد والفجيعة إلى ما شاءت التداعيات تهز الوقت فينا، لنقتفي نهايات وجدانها تعبر الآفاق بأنفاسنا اللاهثة وراء شهقة أمنيات لا يزفرها أوان الغصّة.
الذاكرة، مقبرة أفكارنا التي ذوب حريق الألم معناها لتسرّب النسيان نزيف محاولة تخثّر اللوعة على قارعة حواسنا المعبدة بالتشوهات القدرية.
هي رحم غربتنا وحيرتنا ولهفتنا وثورتنا على فوضى هذيان يجدد التمدد في ثنايا رغبتها باحتضان ما يشي بأننا رهن اعتقالها لتفاصيلنا التي تلوكها بمنتهى الجرأة في الشهية.
نفتش في خباياها عن جدوانا فتبوح بأسرار لعنتها وتخفي مفاتن شوقها رغبة بأن نقدم لها الامتنان اعتذاراً عن هتك خصوصيتها.
النسيان.. صديق أدمن الاتكاء على أوجاعنا فأدمن القلق الذي في ذاكرتنا إلقاء القهر عليه ليقودنا ساخراً من وهننا، إلى لحظات وعي تمزق بالتداعيات وهم المحاولة.
هو نوبة الشرود التي افتعلنا إيقاعاتها بهدف ارتدادنا عن الفجيعة التي مزقت أعصاب الاحتمال وشردت الزعيق في آه الصمت إلى أن غاب عن جدواه.
كلمة اخترعناها لنفسر بمعناها غباء الإتكال الآيل للسقوط في شرك سيادة الذاكرة تقض تماسكنا بأمر حيويتها وتلقينا في مهب الندم هفوات حائرة.
الحنين ختم ذاكرتنا بالوجع الأخضر يمهر فضول الفكرة القانطة من رحمة الفرح برشقات من ولع، ترد الحياة إلى فضولنا كلما زفرته الشهية.
إنه عجزنا عن امتهان اللامبالاة التي تتأبط إرادتنا الدؤوبة على اجترار المرارة، ما يجعله يسكِّن اعتلال الضمير وأنين صحوة الإحساس الذي يفتعل المشاغبة الجارحة لأفكارنا.
إنها طقوسنا الخاصة والعادية من الزيف تبتكر ألوان التألق المضطرم بنوبات دفء تشعل مآقي المجهول الذي يجهض المفاجأة الآمنة في خلايانا شديدة الانبهار.
الغربة صعقة كهربائية تداهمنا على حين ذكرى فتدغدغ بالألم حيرتنا الكامنة في مهب العجز لنصبح أسرى مسافات تصفع الشعور بالوعي.
جرعة موت تخفف هذيان الاحتضان بطعم التوق الملازم لشغفنا بأن نبقى ننبض بالانتماء إلى أن ينصهر في خلجاتنا عشق وطن.
لعنة تطلقها ضمائر الاستنكار فترغمنا على التسربل بالويل يكوي الداء فينا وهكذا إلى أن يستفحل فنموت غرباء دون مراسم وداع تشيع أصولنا المزروعة في حنايانا.
الوطن.. المارد القادر على أسرنا ضمن فانوسه السحري الملغم بإنذارات تودي بنا إلى الموت تمرداً على أحكامه أو إلى الاستسلام لأحضانه تذوب بالدفء صقيع فوضانا، يأخذنا في غفلة من صحوتنا وبنداء يستجوب ضمائرنا بتهمة الأبناء، ما يؤكد على جدوانا الإنسانية ويجعلنا صالحين لتسلق السلامة وصولاً إلى أمنه الحقيقي وبعيداً عن كل المحاولات التي تحتفي بنا بهدف اقتيادنا إلى حافة الخطر.