المرأة بطلةٌ وصورة حياة تنسجها (صنّارة) الواقع بخيوط من خيال، وترسمها أناملُ الدهشة بألوان زاهيةٍ، تدّخرها المخيّلة الى حين الانبهار، فتنبشها إذ ذاك كأمٍّ مهجورة إلّا من حاجات روحها وحنينها.. وحين يرتدُّ الى وقتها المهجور ولدها أو بعض (مشتقاته) تنبش جمهرة حاجات روحها، وترميها بين يدي الولد العائد.. آهة الأسى تساوي آهة الانبهار.. وآهة الحنين بنت بكرٌ لآهة الدهشة العاشقة أوالولوعة بالحبِّ الحنون أو الحزين..
المدن الكبيرة أوالصغيرة أوالقرى العالية كصوت (وديع الصافي) أيام شبابه، أو البلدات أو.. أو.. جميعها تؤلّفها النساء الحبيبات، من حيث هنّ الحضورُ المزدهر، الذي يصدُّ عن المحبين أو أشباه المحبين حيل الضجر..
قريباً من (فندق الشام)، وسط دمشق حديقةٌ تاليةٌ، تحتفي بـ عتابا نسمات موجزةٍ أكثر من جملة عشقٍ خائف..
الحديقةُ لا تشبه (فندق الشام) من حيث النجوم والأبهّات وصرعات الداخلين في دُوَار المدينة وأساليب الرقّي المزيّف..
عند عتبات مساء هذه الحديقة النادي والمطعم نلتقي بالأصدقاء.. مؤلف رواية الغزال وياسر سليل القصائد وفواز موزّع اللطافات المغترب، وغيرهم من الحنونين والحنونات التالفات من الحزن أو الطالعات لتوهنّ الى بريق البهجة النبيلة المبرأة ذمتهن من ضرائب الخلل الاجتماعي أو الانعطافات الغرامية الشاقّة والمخالفة.
الحديقة الجديرة بالألفة، من حسن حظّها وحظّنا، وحظّ المساء تمرُّ بها النساء الحبُّ، اللاتي يؤلّفن وقتاً للدهشة، ومرّة بعد مرّة يؤلفننا، ويهزمن الضجر المتربّص بجملة الظهيرة وسطر المساء.. صديقة نعاس الورد وياسمين الحديقة الممتدة من حائط التمنيات الى حدود حلم اليقظة وشرفات النعاس تجيء عند مبتدأ الغبش...
توقظ جميع النعاس والتثاؤب وكسل الكلام والأحاديث.. وتمنح الحديقة هزائم ضجر صغيرة.. قبل مجيئها كان العديد يتبادلون أطراف مللٍ، ليس أكثر من ملل، وحين جاءت انقلب الضجر الى صحوة الحبّ، ولبس شال ألق طفل..
صديق الـ نزار مؤلف رواية الغزل، مؤلف قصة أو مجموعة أحداث في قصة عنوانها (فوح..).. هذا الصديق عندما تُطلُّ الصبية صديقة النعاس والورد، يستذكر الحبيبة الـ (فرح)، ويتمنّى أن يطير إليها على جناحي حلم أو حنين، والصديق الـنزار يودُّ لو يضيف الى الرواية الغزال (الغزالة)..
وحين تخطو الصبيّة الحسن والألفة الطليقةتصير للخطوات فصاحة، وللمساء فصاحة، وللحكايات أحداثٌ تريفةٌ، ويصير الأصدقاء الــ ياسر سليل القصائد والـ نزار المؤلف والصديق مؤلف حبيبته الـ فرح وفواز المغترب موزّع الأشواق وحرائق المشتاق.. جميع الحضور تؤلّفهم المرأةُ الحبُّ الأنيقة المتجاسرة على وقت الكسل والإهمال..
الأنثى هاجس أجمل الأمكنة، بل هي مؤلفة جمال والتفاتات أيّ مكان قادر على صياغة الأناقات النفسية .. وليست كلُّ أنثى حكاية، وليست كلُّ أنثى حبّاً وموزّعة هزائم الضجر..
أنثى قد تكون مجموعة ضجر كاملة، وأخرى قد تخيط اليأس، كما يخيط المشردون قصص الطمأنينة والشبع.. الأنثى التي تهزُّ أغصان الوقت، وتُميل جذع اللحظات باتجاه خطواتها، أنثى شريكةُ الخيال ومؤلفة واقع جديد، ومبدعة حكايات من أوّلها الى نهايتها.. وتبتكر وجداناً إيجابياً أو نزوعاً إيجابياً في جملة اهتمامات الوجدان..
الانثى التي تزور الحديقة صارت الحديقة كلّها، وخطوتها صارت الدرب و(المشاوير) المستطابة.. وصارت الجزء الأساسيّ في رواية الأستاذ نزار (الغزال) وخاتمة لا غنى عنها في قصة (فرح) حبيبة الصديق الآخر.. وصارت (وصلات شعرّية) في صوت الصديقين الـ ياسر وفواز:
قلنا لها حين مشت على أوّل درب المساء:
(مُرِّي بذاكرة النعاس كجُرحِ ضوءٍ في عباءات الظلام
مُرِّي على بال الكلام، ليزدهي شجرُ
الفصاحة والغرامْ..
من غيرِ موسيقا الرشاقة
ليس يُدركنا
انتظامْ..
من غير طلّةِ وجهك المجبول بالحسنى
يُشردّنا النعاسُ ولا ننامْ ..
مُرِّي بذاكرة الحدائق والمدينة والقرى
وأذيعي ما شاءت هواجسك
البراعم والغناءَ الوردَ
والمطرَ التمامْ..
لاحت بلاغةُ عِطرك الإنسيِّ
حتى كسّرت
حرفَ الظهيرة
مثل حطّاب
اعتلالات المحبين الكرامْ..
عيناك أغنيتان ألّفتا جميع عيوننا..
وكتبتِ فوق
دفاتر الوقت الغمام
وكتبتِنا مثل الحكايات الصغيرة والجميلة
في دكاكين الكلامْ...
من يشتري من حِبر دهشته
سوى مطرِ الكلامْ
وهل أبهى من المطرِ الكلامْ؟
كلامٌ صوتُ خطوتك كلامْ..
وموسيقا الرشاقةِ
موسمٌ فوقَ الكلامْ..
ووعدُ هناءةِ المشتاق
سيفٌ حدُّه حلوُ الكلامْ..
كلامٌ عُمُرنا..
والـ حلوة الـ جاءت الى خصْرِ
الحكاية
مبتدا ورد
الكلامْ..
ضِيعي الى غابات حُلم مدينةِ العشّاق،
كي يبقى بلا سَقْطٍ
حنينُ المستهامْ..
كلامٌ أنتِ أو وجعُ الكلامْ..)
واكتفينا بأن سوّرتنا الأنثى بألفِ سؤال ورد وعشق وعطر.. وارتحلنا صوب هزائم الضجر..