|
خطوة.. ولو متأخرة! آراء ومع اشتداد الأوقات الصيفية ستغدو المصايف والشواطئ مؤئلاً مهماً لمن استطاع وغدا البحر، هذا الفضاء الأزرق الرحب حلماً يراود مخيلة الجميع. وعلى الرغم من غنى بلادنا بالمناطق الاصطيافية: جبلاً وبحراً إلا أن التمتع بها صار صعباً جداً فالشواطئ غدت متصرفاً للشركات الاستثمارية وصار بلوغ مياه البحر صعباً إلا في بعض المناطق القليلة غير المأمونة والبعيدة عن المدن الرئيسية حيث نشهد كل عام حوادث غرق مؤسفة يقع ضحيتها الفقراء الذين يسبحون هنالك حيث لارعاية ولاتحذيرات ولا وسائل فنية ولاكوادر للإنقاذ. إننا من أكثر البلدان تمتعاً بشواطئ جميلة وبمناطق جبلية تكسوها الغابات وتفتقر في الوقت نفسه إلى أبسط الخدمات رغم قيام بعض المشاريع السياحية والاصطيافية هنا وهناك والتي لايتناسب عددها مع الرقعة الجغرافية الكبيرة لهذه البلاد. لقد سمعنا كثيراً عن تنمية السياحة في سورية ولكننا على أرض الواقع لانجد ترجمة فعلية لتلك التوجهات إلا في جزء يسير لا يعتد به كتعبير عن عزم الجهات الرسمية على اجتراح خرائط سياحية واصطيافية. ولعل الأهم في هذا المضمار هو الحديث عن كثرة المشاريع السياحية والاصطيافية المفترضة وموقع فقراء الشعب منها وماذا يستفيد متوسطو الحال منها أيضاً؟.. فالسياحة الشعبية والاصطياف التي أملناها طويلاً لم نجد تجسيداً عملياً لها!! لقد كان على شواطئنا عدد لابأس به من المنتجعات التي تعود للمنظمات الشعبية أو الشركات العامة أو بعض جهات القطاع العام، غير أنها أضحت الآن أثراً بعد عين عقب ظهور شركات الاستثمار تلك حيث وضعت يدها على مساحات عديدة من الشواطئ لإنجاز مشاريعها السياحية، فقطعت بالتالي الطريق على أولئك الذين استفادوا من تلك المنتجعات بأبسط الأسعار. فماذا حدث للدنيا؟ وأي سبيل يسلكه الرسميون في بلادنا حين يسمحون بحدوث ذلك؟ .. ماذا كان يضير السياحة والاصطياف لو استمرت تلك الشاليهات تخدم قطاعاً مهماً من قطاعات الشعب لايقوى دخل أفراده على ارتياد المنتجعات ذات النجوم العديدة؟! ماذنبها وما الفائدة الشعبية التي نجنيها من تطويقها؟ هل خاسرة؟ إن فصل الصيف وحده كفيل بسد العجز الذي يقال إنها واقعة فيه لولحظنا لها إدارات جديرة... ولعل الأهم هو السؤال الملح: أين يذهب الفقراء بعد زوال تلك المنتجعات الرمزية وبعد حلول الشركات الفخمة على مساحات غير قليلة من شواطئنا؟! لقد سمعنا من كثير من المواطنين الذين يملكون شاليهات صغيرة على البحر أن جدراناً وأسواراً لتلك الشركات قد ارتفعت بين شاليهاتهم وبين رمال ومياه البحر فكيف يصلون إلى الماء وقد كان على مرمى حجر منهم؟؟! والسؤال المهم أيضاً : لمَِ وإلى متى يترك الحبل على الغارب لهذه الشركات الوافدة وسماسرتها وأصحاب المصالح من وجودها؟؟ فأين يذهب الناس وأرضهم على رحابتها لاتتيح لهم موطئ قدم؟ وهل السياحة والاصطياف تعني في جملة ما تعنيه سيطرة الشركات الاستثمارية الوافدة على الشواطئ بطولها أو بمعظمها؟ وإذا اكتفت الآن واكتفى من وراءها بعدد كبير من المشاريع فهل ستتوقف عند هذا الحد؟؟ في بلدان العالم كلها تستهدف المشاريع السياحية والاصطيافية راحة الناس وسهولة قضائهم موسماً مريحاً وبتكاليف لاترهق كاهلهم.. فما بالك بالطبقات الشعبية ذات المداخيل المحدودة؟ إن السياحة والاصطياف الشعبيين مطلب جماهيري يزداد إلحاحاً عاماً بعد عام ونرجو، ألا تتحول فيه وزارة السياحة إلى وسيط، بل أن تمارس هي ومجالس المحافظات دورها الفعال في هذه المسألة فتنشئ منتجعات عامة يمكن لها أن تتولى فيها الريادة. وإذا كانت القضية الاستثمارية تعني استقدام أموال خارجية للعمل في بلادنا، فمن الجدير ذكره أن عدداً من المستثمرين المحليين أو غيرهم بدل أن يأتوا بأموالهم من البنوك الأجنبية يقترضون من مصارفنا أموالاً يستثمرونها هنا فماذا فعلنا أكثر من الهرة التي تأكل صغارها؟! ولمَ لانقوم نحن باستثمار أموالنا العامة؟! إن الأرض هذا المعنى الغالي تستدعي منا تضحية وجهوداً مضاعفة للحفاظ عليها، والأهم من ذلك الحفاظ على الصالح العام وعلى حق الأغلبية الشعبية أن يكون لها نصيب في حركة تطور السياحة والاصطياف عندنا. وإذا كانت بعض الإدارات الفاسدة أو المهملة هي وراء تعثر تجربة وواقع المنتجعات العامة فإن إصلاحها وتطويرها أولى من القضاء عليها وذلك حفظاً للصالح العام والحق الشعبي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن «تجربة الاستثمار» كان يجب أن تستهدف المناطق الخالية غير المستثمرة لإحيائها وإعطائها دوراً ما في النهضة السياحية والاصطيافية بدل أن نلغي ماهو قائم ومستثمر وناجح شعبياً... إذ إننا في هذه الحال لو تم الأمر نعيد إحياء المناطق المنسية فتتعرف إلى الخدمات المتنوعة وتسهم بالتالي في رفد الدخل الوطني. وإنه لمن دواعي الاستغراب أن تتجه الشركات الاستثمارية إلى المناطق المخدمة في سورية فتستفيد أولاً وأخيراً من البنى التحتية التي وفرتها الدولة من طرقات وكهرباء ومياه وقرب من مراكز المدن دون أن تدفع لقاء ذلك قرشاً واحداً، الأمر الذي جعلها تحجم عن استهداف المناطق البكر وتنشئ لها بنى تحتية!!. ولعل من المفيد ذكره أن تلك الشركات لم تلحظ في خططها وأعمالها إحياء المناطق القريبة أو المحيطة بالأوابد الأثرية من قلاع وغيرها كمعلم هام من معالم السياحة فعمدت إلى سهولة الاستفادة بدل العمل على تطوير مناطق جميلة يطولها الإهمال والنسيان. وإذا كان في المخططات المستقبلية لوزارة السياحة أن تضع يدها على الشواطئ أو جزء منها في سورية، فالأولى أن تقوم هي بإنشاء المنتجعات السياحية الاصطيافية بدل إعطائها للشركات الاستثمارية فيكون ريعها كاملاً لخزينة الدولة بدل أن تحصل على نسبة قليلة منه ويتم ذلك بتمويل منها أو بالتعاون مع البنك العربي لهذه الغاية. بسبب موقع سورية وجغرافيتها عموماً تتمتع بمواصفات سياحية واصطيافية تحسد عليها وإن تنشيطها واستثمارها بمشاريع وطنية ذاتية لهو أهم بآلاف المرات من عشرات المناسبات والاحتفاليات غير الناجحة والتي تستنزف كثيراً من أموالنا دون طائل، عدا المشاريع المرتجلة التي ثبت عدم جدواها بعد أن أهرقنا في سبيلها أموالاً نحن بأمس الحاجة إليها. إن سورية هذه تستحق فعلاً أكثر من ذلك والدروب التي تمتد آلاف الأميال تبدأ بخطوة ولو كانت متأخرة!!
|