تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيت جدي.. ودفء مهدي

هذا جولاننا
الأثنين 22-6-2009م
تماضر ابراهيم

سلسلة من المشاعر المتناقضة يعيشها البعض تصل بهم أحياناً إلى حد الانهيار بسبب البعد عن الأرض والأهل ما يجعل مناسباتهم الحلوة تتحول إلى مناسبات حزينة وألم وبكاء..

وخاصة من يعيش منهم خارج الوعي، مشتت الفكر دائم القلق..وقد عانى الحرمان والمنع من الذهاب إلى أهله بعد انتظار ساعات وساعات عند معبر القنيطرة التابع لسلطات الاحتلال، ثم يجيء جواب تلك السلطات بالرفض لأنهم يحملون الهوية العربية السورية التي لم يتخلوا عنها يوماً ولا عن انتمائهم العربي القومي.‏

كثيراً ما يخطر في ذهننا ونحن نقف على الشريط الذي يفصلنا عن مجدل شمس أن نعبر تلك الأمتار القليلة المفصولة بالأسلاك الشائكة والمحشوة بالألغام لنصل إلى أهلنا، إلى بيت جدي القريب..البعيد.‏

عشرات آلاف النازحين الجولانيين الذين هجروا من أرضهم يفكرون مثلنا وقد تركوا أحلامهم ورسوماتهم على جدران منازلهم ومدارسهم وطرقاتهم ونزحوا..وظلت الأرض تعيش في وجدانهم حاضرة في أذهانهم يستلهمون منها كل ممارساتهم، وقد نرى أدباء وكتاب جولانيون يعبرون عنهم، فهناك قصص كثيرة تتحدث عن القهر والحرمان والتعذيب وهي خير دليل على معاناة شعب، وقد تبدو قديمة حديثة قصة العروس الجولانية التي كتبت وعرضت في التلفزيون السوري.‏

والبعض يستعرض فيما يكتب تضاريس الجولان، السفوح والهضاب، الهواء والمناخ والحيوانات والطيور الجولانية، قطا الجبال، حجل الأودية وحتى صخور الجولان وذرات ترابه التي تسكن ذاكرتهم حبة حبة، ومع هذا لم يكن الجولان عند البعض ذاكرة أرض وجغرافيا فحسب، بل هو أيضاً ذاكرة تراث وتقاليد وعادات وإرث من طقوس وأعياد وموت وزواج والكثير من المناسبات.‏

قد يذكرنا ذلك بقصص الأديب عز الدين سطاس الذي كتب الكثير الكثير وأرخ لقريته العدنانية، القرية التي جاء منها وعرفنا بها ورسمها أمام أعيننا بكل صدق، فكانت وثيقة تحفظ لتاريخ هذا البلد الجميل بتضاريسه وطقوسه وعاداته وتقاليده، حتى إنه أورد أسماء لأهم العائلات في ذلك الوقت، قبل النزوح، وحدثنا سطاس عن ذكرياته، الطفولة والصبا في العدنانية وأقرانه وسهرات الأهل والجيران بكل ما هو جميل وعذب، وأذكر أنه قال لي في لقاء سابق معه: لو كتب كل واحد فينا عن قريته مثلما كتبت عن قريتي لجمعنا أرشيفاً وطنياً قومياً هائلاً في مكتباتنا.‏

أما «العلبة المعدنية» عند علي المزعل التي اختزنت الوطن كوثيقة، كتب فصولها الحميمة الحارة وكأن قلمه ينزف من مداد القلب ويشن رفضه واحتجاجه على حياة المخيمات التي فرضت على النازحين بعد الاحتلال ويصور لنا بقصصه ضجيج الحياة الصعبة، حياة الفقر والبؤس والتعاسة وكأنه يريد أن يشدد على إظهار فداحة غرابة الإنسان النازح ليبقى مشدوداً بحنين لا يقاوم إلى الأرض التي فارقها.‏

وهناك قصص تعري وتفضح ممارسة العدو الصهيوني بانحطاط أخلاقه وقيمه اللا إنسانية، أيضاً المجموعة القصصية في (أبي خارج القبر) التي حملت أصدق دليل مادي على كشف همجية العدو الصهيوني ووحشيته وخرقه للقيم والمقدسات في العالم، مجموعات قصصية كثيرة تلك التي فاح أريج الأرض منها وحملتها الذاكرة وانسابت في قلوبنا، ففجرت الحنين بنكهتها الجولانية وانفعالاتها الحارة وصدق تجربة كتابها المعاشة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية